السنوار وهنية ومذكرات الاعتقال في المحكمة الجنائية الدولية
الكاتب: د. دلال صائب عريقات
يتزايد دور المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب بعد استشهاد يحيى السنوار وإسماعيل هنية.
المحكمة الجنائية الدولية تمثل أحد أعمدة العدالة الدولية التي تضمن محاسبة المتورطين الأفراد في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. ورغم العقبات السياسية وازدواجية المعايير في الأنظمة السياسية وتعاملاتها الدولية، يبقى دور المحكمة حاسمًا لضمان محاسبة المجرمين. في أيار ٢٠٢٤ سعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لإصدار مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، ويؤاف غالانت، ويحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف. قدمت المحكمة الجنائية الدولية "طلباً" لإصدار مذكرة اعتقال بعد التوجه للدائرة الابتدائية. هذا الإجراء أخذ مدة شهر واحد في حالة إصدار أوامر اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام ٢٠٢٣، وأخذ ٦ أشهر في حالة الرئيس السوداني السابق عمر البشير عام ٢٠٠٩.
في الحالة الفلسطينية ومع استشهاد كل من هنية والسنوار، وسحب مذكرات الاعتقال بحقهما فقد أصبحا في سياق العدالة الإلهية، وتظل العدالة البشرية بحاجة إلى الانعقاد، خاصة فيما يتعلق بمحاسبة مجرمين مثل بنيامين نتنياهو وغالانت وغيرهما. في التهم الموجهة ضد نتنياهو وغالانت، وعلى الرغم من وجود العديد من التقارير الموثوقة عن التعذيب الممنهج ضد الفلسطينيين، إلا أنه لم توجه لهما تهمة التعذيب كما لم توجه أية اتهامات ضد نتنياهو وغالانت بموجب المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ــ القسم الذي يتعامل مع الإبادة الجماعية. لقد اتهما بموجب الفصلين السابع والثامن، اللذين يتناولان الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي نفس المواد التي استخدمها ضد قادة حماس. وكان من الممكن أيضاً أن يوجه خان اتهامات تتعلق بالجرائم الإسرائيلية في أماكن أخرى من فلسطين، على سبيل المثال بناء إسرائيل لمستوطنات غير قانونية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، أو الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ولكنه اكتفى بالفترة ما بعد أكتوبر ٢٠٢٣ !!
من الناحية القانونية، يُعد استشهاد هنية والسنوار تطورًا طبيعيًا يؤدي إلى سحب مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحقهما من قبل المحكمة، نظرًا لانتهاء حياتهما. هذا الإجراء القانوني هو أمر بديهي في الإجراءات الجنائية الدولية، حيث تتوقف المحاكمة إذا توفي الشخص المستهدف. ومع ذلك، فإن هذا التطور لا ينبغي أن يُفهم على أنه نهاية لمسار العدالة في السياق الفلسطيني، بل على العكس، يجب أن يُنظر إليه على أنه دافع لمواصلة الجهود الدولية لمحاكمة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن جرائم الحرب، الذين ما زالوا أحياء. وبالمناسبة عمليات الاغتيال بحد ذاتها جرائم تضاف للملفات المحالة للمحكمة.
استشهاد هنية والسنوار لا يعني أن الجرائم التي ارتكبها الآخرون قد طُويت فموازين المعركة العسكرية تشير إلى أن المعركة القانونية من أجل تحقيق العدالة لم تنتهِ بعد. جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين ما زالت مستمرة. لذلك، فإن سحب مذكرتي الاعتقال بحق هنية والسنوار يجب أن يعزز الدعوات لتكثيف الجهود لملاحقة القادة الإسرائيليين الآخرين وإصدار مذكرات الاعتقال بحقهم. أوامر الاعتقال سيكون لها تأثير هائل على إسرائيل وقادتها، الذين سيجدون أنفسهم منبوذين ومقيدين بطرق غير مسبوقة. لن يتمكن نتنياهو وغالانت من السفر إلى عشرات الدول، بما في ذلك معظم دول أوروبا، دون خوف من الاعتقال، حيث صادقت ١٢٤ دولة على نظام روما الأساسي، وهي دول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وبينما لعبت الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في إنشاء نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، فإن الولايات المتحدة ليست دولة طرفًا. وسوف يكون لزاماً على الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، التي تزعم أنها تحترم القانون الدولي، إما أن تحتجزهم وتسلمهم إلى المحكمة، أو أن تتحدى التزاماتها القانونية علناً. الضرر الذي يلحق بسمعة إسرائيل وعزلتها أمر لا نستخف به أبداً، والولايات المتحدة، المورّد الرئيسي للأسلحة إلى إسرائيل والمتواطئة في الإبادة الجماعية، ليست عضواً في المحكمة، ولن تتعاون مع مذكرات الاعتقال، ولكن لنتذكر أن الرئيس جو بايدن رحب عندما تقدم خان بطلب للحصول على مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي، إلا أن إدارة ترامب رفضت ولاية واختصاص المحكمة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، والرد القانوني على هذا الادعاء صريح وواضح، ولا لبس فيه من حيث اختصاص الحكمة والولاية القانونية التي صدرت عام ٢٠٢١ في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حدود ١٩٦٧، ما ينهي هذا الجدل من ناحية قانونية.
مع مرور عام على بدء حملة الإبادة الإسرائيلية في غزة، تُظهر التحركات القانونية الدولية بوضوح العجز المستمر في مواجهة جرائم الاحتلال. المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تصدرتا الجهود لمحاسبة مجرمي الحرب، خاصة مع إصدار قرارات مهمة حول عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي والجرائم المستمرة. ومع سحب مذكرات الاعتقال عن شهداء المقاومة الفلسطينية، تبقى العدالة على الأرض مسؤولية مشتركة. العدالة الإلهية لا تعني الاستسلام، بل تدعونا لمواصلة النضال القانوني لضمان محاسبة المجرمين. بنيامين نتنياهو ويؤاف غالانت وغيرهما شخصيات محورية يجب محاكمتها على الجرائم التي أشرفوا عليها. استمرار الإفلات من العقاب يشجع على المزيد من الانتهاكات، ويتطلب منا العمل بجدية لدعم مسار العدالة الدولية وتأكيد مبدأ المساءلة للجميع، دون استثناء.