حماس بعد السنوار...
الكاتب: رامي مهداوي
استشهاد يحيى السنوار، الرجل الذي تصدّر المشهد العسكري لحركة حماس في غزة، يفتح صفحة جديدة ليس فقط في تاريخ حماس، بل في تاريخ القضية الفلسطينية. الرجل الذي وُلِد عام 1962 وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في شبابه، أصبح رمزًا للقوة العسكرية، وحمل راية المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. هذا التحول الكبير الذي أحدثه السنوار في حماس، حيث ارتقى بصقورها إلى قمة القرار، يشير إلى تأثيرات عميقة قد تترتب على استشهاده، سواء داخل الحركة أو على المستوى السياسي الأوسع.
إسرائيل اليوم تتفاخر بإنجازها العسكري بعد مقتل السنوار، معتبرةً إياه ضربة قاسية لحماس وقادتها. ولكن، ماذا بعد؟ كيف ستوظف إسرائيل هذا المكسب العسكري في الساحة السياسية؟! الأكيد أن إستشهاد السنوار ليس النهاية؛ بل قد يكون نقطة تحول في مسار القضية بشكل عام والحرب على غزة بشكل خاص الذي يحتاج حتمًا إلى أفق سياسي لإنهاء هذه المذبحة الدموية المستمرة.
السنوار، الذي قاد كتائب القسام وصعد لزعامة الحركة في غزة عام 2017، ترك بصمة لا تُمحى على توجهات حماس. فقد كان السنوار صاحب رؤية عسكرية صلبة، سيطر على القرار السياسي والعسكري داخل الحركة بقبضة من حديد، وأقصى ورفع شخصيات بحسب إرادته. هذا التحكم الجذري جعل السنوار شخصية محورية في تحديد مصير الحركة، لا سيما في قرارات الحرب والسلم. ومع رحيله، تتساءل الأوساط السياسية في غزة وخارجها: هل سيعود القرار إلى القيادة الخارجية للحركة؟
القيادة الخارجية لحماس، المتمركزة في قطر ولبنان وتركيا ودول أخرى، قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع مرحلة جديدة بعد اغتيال السنوار. هذه القيادة التي لطالما سعت لتحقيق توازن بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة، قد تكون الآن أكثر مرونة في التفاوض حول وقف إطلاق النار، بعدما خسر التيار العسكري أقوى رموزه.
على الرغم من الضربة التي تلقتها حماس باغتيال قائدها، إلا أن الحركة ليست غريبة عن التحديات. وهنا يجب الأخذ بعين الإعتبار أن حماس تمر الآن بموقف مشابه لما عاشته بعد اغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي. الحركة تمتلك شعبية كبيرة وقدرة على إنتاج قيادات جديدة، رغم الظروف القاسية التي تمر بها.
لكن هل سيكون استشهاد السنوار بداية لتغيير في استراتيجيات حماس؟ برأيي تشير أن المرحلة القادمة ستشهد مراجعة شاملة للسياسات، دون أن يعني ذلك تغيرًا جذريًا في النهج. التغييرات المحتملة قد تشمل تراجعًا في بعض الملفات التي كان السنوار يتمسك بها، مثل ملف الأسرى والعلاقة مع السلطة الفلسطينية. قد تجد الحركة نفسها مضطرة لتقديم تنازلات كانت غير واردة في وجود السنوار، وهو ما قد يفتح المجال أمام تسريع المفاوضات لوقف إطلاق النار.
في النهاية، السؤال الأكبر الذي يطرحه استشهاد السنوار هو: ما هو المصير السياسي لحماس بعد رحيله؟ الواقع يشير إلى أن حماس قد تواجه صعوبات في اختيار قائد جديد يستطيع ملء الفراغ الذي تركه السنوار. لكن، في ظل الضغوط المتزايدة من إسرائيل والمجتمع الدولي، قد تجد حماس نفسها مجبرة على تبني مقاربة أكثر مرونة تجاه التسوية السياسية.
إن استشهاد السنوار ليس نهاية حماس، ولكنه بالتأكيد بداية لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات، حيث ستحتاج الحركة إلى إعادة ترتيب صفوفها واتخاذ قرارات مصيرية بشأن مستقبلها. الحرب قد تكون قد دخلت "نقطة تحول"، لكن السلام لا يزال بعيد المنال، ولن يتحقق إلا من خلال خطوات جريئة نحو الواقعية السياسية على إسرائيل أن تنفذها؟!