ما يسمي بخطة الجنرالات
د.احمد رفيق عوض
رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية
ما يزال الكثيرون يذكرون الادعاء الاسرائيلي بان حركة حماس هي التي تمنع المواطنين الفلسطينيين من الخروج من شمال القطاع لاستخدامهم كدروع بشرية، كانت هذه الدعاية الإسرائيلية من القوة بحيث رددها زعماء واعلاميون في الغرب والشرق ،ويبدو ان هذه الدعاية تم تناسيها الان لانها لا تخدم الهدف الاسرائيلي والقاضي باجبار المواطنين الفلسطينيين على الخروج، ولكن هذه المرة بادوات إسرائيلية بالغة التوحش تتضمن ضمن امور اخرى التجويع والقتل والتدمير والحصار .
اسرائيل كانت واضحة منذ البداية حتى هذه اللحظة ،فهي تريد افراغ شمال القطاع ليس من المواطنين فقط وانما تريد كنسه تماما، هي تريد تغيير محتويات المكان كله، محو المكان من اجل محو الوعي ايضا ،خلق طبوغرافية جديدة في شمال القطاع لاستخدامات شتى، استيطانية وأمنية وديموغرافية وغيرها أيضا . لهذا، فهي تقوم حاليا بتطبيق ما يسمى بخطة الجنرالات، او خطه ايجورا ايلاند وهو جنرال متقاعد يحب التخطيط وطرح الافكار الخيالية ، فقد طرح هذا الرجل سنة 2000 ايام كان يشغل منصب رئيس قسم التخطيط في جيش الاحتلال مقترحا يشمل تهجير مواطني غزة الى جزيرة سيناء ،وهو مخطط يلقى هوى في نفوس القادة الاسرائيليين منذ سنه 1973 حتى يومنا هذا، حيث طرح هذا الموضوع على رؤساء مصر ورفض طيلة الوقت لاسباب قومية و وطنية واط امنية ايضا . ايجور هذا، المغرم بطرح الخطط والمقترحات، لديه رؤية ثابتة تتلخص في اقامة دولة فلسطينية في غزه وسيناء، بعيدة و معزولة و محاصرة و مراقبة من قبل اطراف متعددة ويتم التحكم بكل انشطتها وعلاقاتها وسلوكها بحيث لا يمكنها ان تهدد اسرائيل ابدا ، فيما تكون هناك إدارة ذاتية في الضفه الغربية المحتلة، هذه رؤيه ايلاند باختصار، فما علاقة ذلك فيما يجري الان في شمال القطاع من تقتيل وتجويع وتدبير وحصار؟! والعلاقه لا تخفى على الاطلاق، فما يجري في شمال القطاع الان يخدم هذه الرؤية مع تعديلات طبعا لزوم الاتقان والاخذ بالحسبان التطورات الإقليمية وكذلك الاشتراطات الدولية ، فعمليات القتل والحصار والدمار والتهجير في شمال القطاع قد تكون تجربة اولى لتطبيقها في مناطق وسط وجنوب القطاع لتفريغه باتجاه سيناء خصوصا ان ذلك يترافق بزياده الضغوط على الاطراف ذات العلاقه لقبول فكره التهجير والتوطين اصلا ، هذه الخشية يجب ان تبقى حاضرة في الاذهان، ويجب ان تؤخذ بالحسبان، اسرائيل ومن يدعم اسرائيل ويغطيها ويتبنى مواقفها لم يسقط فكرة التتهجير والتوطين كإحدى الحلول الجذرية لتأمين إسرائيل الى عقود طويلة قادمة . عمليات التجريف المروعة التي تجري في شمال القطاع هي المرحلة الثانية الحقيقية في العدوان الاسرائيلي على القطاع ويترافق ذلك مع منع التدخل الدولي و محاصرة وطرد الهيئات الدولية وتغيب الصحافة العالمية وانتقال الاهتمام الى جبهة لبنان المشتعلة ، كما يترافق ذلك مع صمت يكاد يكون موافقة على ما يجري في شمال القطاع . قد يقول قائل انما يجري قد يكون للضغط على حماس للدخول في مفاوضات لاطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين، وقد يكون ذلك صحيحا، وهناك من يقول ان ما يجري هو لخلق منطقة عازلة كبيرة لحماية لمستوطنات غلاف غزة، وقد يكون ذلك صحيحا ايضا ،وقد يقول قائل ان ما تفعله اسرائيل في شمال القطاع هو بحث عن صورة نصر وهذا صحيح ايضا ، وهناك من يعتقد أن طرد مئتي الف فلسطيني في شمال القطاع هو جزء من عملية أمنية اخرى لمطاردة اعضاء المقاومة ومنتسبيها الجدد، وهو ايضا جزء من عمليات البحث الدؤوبة عن البنى التحتية للمقاومة وانفاقها ومخازنها وهذا ايضا صحيح، ولكن -برأي المتواضع- فإن إسرائيل لم تقرر بعد فعليا ما هي فاعلة بقطاع غزة ،اذ ان تدميره او طرد اهله او حتى قتلهم ليس حلا استراتيجيا يفضي الى حصول اسرائيل على الامن والاستقرار والسلام، اعتقد حقا انه كلما طال الزمن باحتلال اسرائيل الارض الفلسطينية زادت ازمتها وتعمقت اكثر فاكثر، والدليل على ذلك انه بعد 76 سنه من قيام اسرائيل، فانها لا تستطيع حماية مستوطناتها من الصواريخ ولم تستطع ان توفر لساكنيها ما وعدتهم به من امن وامان، تبدو اسرائيل اليوم وبعد 76 سنه من قيامها اكثر عرضة للاختراق و المس بأمنها ومصالحها ، وبعد 76 سنه تقريبا من قيامها ما تزال تعتقد ان المناطق العازلة والجدران والكاميرات والطرق الالتفافية قادرة على تحقيق الامن والسلام ما تزال اسرائيل تفكر بالطرق التقليدية تماما رغم انها تقدم نفسها بانها دولة الحداثة وما بعدها .