لا تعتادوا على الإبادة الجماعية
الكاتب: عمر حلمي الغول
عشية دخول العام الثاني من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب العربي الفلسطيني، عادت حكومة الائتلاف النازي الإسرائيلية على اجتياح محافظات شمال قطاع غزة للمرة الثالثة منذ بداية الحرب القذرة والهمجية، تنفيذا لخطة الجنرالات، التي أعدها الجنرال غيورا ايلاند، مستشار الامن القومي الإسرائيلي الأسبق، والمقرب من رئيس الوزراء نتنياهو، وهي ماضية قدما في توسيع وتعميق الإبادة وحرب الأرض المحروقة في القطاع، ودفعت بمزيد من القوات العسكرية، واعادت الفرقة 162 الى منطقة شمال غزة، مستغلة انشغال العالم ووسائل اعلامه على الحرب في جبهة الشمال مع حزب اللبناني، وكيفية الرد الإسرائيلي على ايران.
فضلا عن أن، الإبادة الجماعية لم تتوقف في محافظات الجنوب، ويوميا هناك مجازر متلاحقة ضد الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء، وصرخات وأنات أبناء الشعب عموما رجالا واطفالا ونساءً تصم الاذان، وتفقأ عيون الشعب والعالم كله، ومازال قادة الدول والمنظمات الأممية والرأي العام العالمي يراوحون في مواقع الإدانة والشجب والاستنكار وإصدار القرارات بلا رصيد فعلي وحقيقي لوقف الحرب المجنونة والمنفلتة من كل عقال انساني، وليس قانون او سياسي فقط.
في شمال القطاع وخاصة في جباليا البلد والمخيم تتعاظم دورة الدم والموت والابادة والجوع والامراض والحرمان من مصادر الحياة الإنسانية كافة والحصار، ويطالب جيش الإبادة الإسرائيلي المواطنين من بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا النزوح الى الجنوب، بهدف تفريغ الشمال من أبناء الشعب بذريعة تصفية أذرع المقاومة، مع ان الوقائع تقول، ان المستهدف هو الشعب، كل أبناء الشعب لتنفيذ مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي الإسرائيلي، وهو أحد اهداف "النصر الكامل" الذي نادى وينادي به الرجل القوي في الدولة العبرية.
ومن الواضح للعيان الفلسطينية والإسرائيلية وعلى مستوى الكون، ان القيادة الإسرائيلية تعمل بمنهجية واضحة على التخلي عن مفاوضات وقف الحرب، وتبادل الاسرى، وتهيئ الظروف لليوم التالي من خلال فرض وقائع جديدة، وخلق مناطق عازلة، كما يجري في شمال القطاع حاليا، وهو ما يعني التخلي عن الرهائن الإسرائيليين، خاصة وان نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم من البداية، أعلنوا اعتبارهم جزءً من الضحايا، أي أموات، ولا يبالون بمصيرهم. لا سيما وان غالبية الضحايا الإسرائيليين وتحديدا من كانوا في الحفل الفني قتلوا بسلاح الجو الحربي الإسرائيلي، ولم يقتلوا على يد أذرع المقاومة، واستغلت حكومة الإبادة الإسرائيلية المدعومة من قبل الإدارة الأميركية بشكل مطلق الذريعة لارتكاب أبشع جرائم الإبادة الوحشية في العالم ضد الشعب الفلسطيني.
المهم هنا، ان الضرورة تملي على الشعب الفلسطيني بقطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية، ان لا يعتادوا على الإبادة الجماعية، والتعامل معها، وكأن ما يجري أمراً عاديا، ومألوفا للعين، وغير ذات شأن، بذريعة أن الحياة يجب ان تستمر، ولكن السؤال، من قال إن الحياة يجب ان تتوقف؟ ومن طالب المجتمع ان يقف مكتوف الايدي، وان لا يواصل العمل والإنتاج والمقاومة بالوسائل كافة، ومن طالب ان لا يفرح الشباب من الجنسين؟ ولكن هل يفترض ان تقام الافراح والليالي الملاح وإطلاق الرصاص وإقامة الولائم والطبل والزمر، كما كان الامر عليه قبل 7 تشرين اول / أكتوبر 2023؟ وهل الوضع الكارثي اللا انساني في القطاع والضفة والقدس عاديا ومألوفا؟
وأود هنا ان، أؤكد ان أبناء الشعب في قطاع غزة، رغم الإبادة والموت والمجاعة يتزاوجون، ولكن يجري ذلك بهدوء وبصمت شديد، ودون ضجيج، لان الحياة يجب ان تمضي وتستمر، كون ذلك شكل من اشكال المقاومة، والإصرار على البقاء والصمود، والانجاب، والتجذر في أرض الوطن، ورفض التهجير القسري، والرد على مخططات وأهداف الدولة النازية الإسرائيلية. وبالتالي لا أحد يطالب بتوقف دورة الحياة، بل العكس صحيح. لأن أحد اركان وأهداف الشعب العربي الفلسطيني، هو العمل الدؤوب والمثابر على ترسيخ وجوده وصموده وتعزيز مقاومته السياسية والديبلوماسية والقانونية والمقاومة الشعبية والاقتصادية للتصدي لمخططات العدو النازي الإسرائيلي الأميركي.
إذا العمل والدفاع عن حقوق ومصالح الشعب العليا تكمن في مواصلة دفة الحياة، واستنهاض المجتمع الفلسطيني، ورفع سقف المقاومة بجني الزيتون وتطوير الإنتاج الاقتصادي والزراعي، وحماية وتعميق وتطوير العملية التربوية التعليمية وتعزيز الثقافة الوطنية بما يعزز من مكانة السردية الفلسطينية، لا النكوص عنها، والقبول بإملاءات الاميركيين والأوروبيين لتغيير منهاج التعليم الوطني، مقابل فتات الدعم المسخ، في الوقت الذي يتجاهلون فيه منهاج التعليم الإسرائيلي، الذي ينضح بأبشع اشكال النازية والعنصرية، ورفع سقف التحدي في مجالات الحياة كافة لحماية المنتوج الوطني، ومواجهة قطعان المستعمرين، واجتياحات الجيش الإسرائيلي وعصاباته الصهيونية الفاشية في المدن والقرى والمخيمات في القدس العاصمة وعموم الضفة الفلسطينية.
مجددا تملي المصلحة الوطنية التعاضد مع الذات الفلسطينية، وعدم التعود على صور الإبادة الجماعية، وكأنها شيئا عاديا ومواصلة الحياة كما يليق بالشعب الفلسطيني العظيم وكفاحه التحرري وصولا لهدف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.