يلا نحكي: قراءة نقدية في طوفان الأقصى (2- 5)
الكاتب: جهاد حرب
يتطلب تقييم عملية طوفان الأقصى، بعد مرور عام، دراسة الجوانب المختلفة لما جرى قبل وأثناء العملية ومساراتها ومآلاتها أو تحقيق أهدافها من جوانب متعددة تُأخذ بالحسبان أثناء التخطيط لها وهي قواعد حاكمة لنجاح العملية أو الفعل. لذا تقرأ هذه المقالات مجتمعية بما يحقق التكامل فيما بينها. سيخصص هذا المقال للحديث عن التمثلات القائمة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين التي ظهرت بأنّها خاطئة أو جانبها الصواب أو بمعنى آخر لم تكن دقيقة وهي جزء من التخيلات عن بعضهما البعض في السنوات الماضية.
يعتقد الفلسطينيون أنّ المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع الاستمرار في حرب طويلة أي حرب استنزاف، وأنّه يعتمد على الحروب الخاطفة وهو يفضلها على أنْ لا تكون على أرضه وذلك اعتماداً على الحروب التي خاضتها إسرائيل على مدار السنوات الماضية، وأنّ الإسرائيليين/ الحكومات الإسرائيلية حساسون بشكل كبير على حياة الإسرائيليين بمنع وقوعهم أو بقائهم في الأسر لفترات طويلة؛ في الواقع الأمر بات مغايراً حيث مكث شاليط حوالي خمس سنوات وأسرى أو جثث جنوده حرب عام 2014 لها سبع سنوات قبل بدء الحرب على غزة إثر السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023.
كما أنّ الفلسطينيين يظنون أنّ الإسرائيليين يهرولون هرباً لمغادرة إسرائيل للخارج حال اندلاع الحرب بأعدادٍ كبيرة، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يتحمل أضرار الحرب أو أن الإسرائيليين لا يتحملون الخسائر. يبدو أن من خطط بنجاح للعملية العسكرية يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر قد غابت عن ذهنه التحولات العميقة في المجتمع الإسرائيلي فمن جهة الانزياح نحو اليمين واليمين الفاشي وتأثيرات الصهيونية الدينية بأشكالها المتعددة وتحكم المستوطنين في ناصية الحكم في إسرائيل، ومن جهة ثانية أنّ أغلب الإسرائيليين هم اليوم من مواليد إسرائيل أو المستوطنات في القدس والضفة الغربية وليسوا مهاجرين ولديهم ارتباط بهذه الأرض، ومن جهة ثالثة أنّ فكرة الدولة اليهودية متأصلة اليوم لدى جميع الإسرائيليين على اختلاف منابتهم وأصولهم وتياراتهم الفكرية والسياسية وذلك بغض النظر عن الصراع القائم في المجتمع الإسرائيلي حول شكل وطبيعة مؤسسة الحكم وليس حول الدولة ذاتها؛ فالمعارضة بخلاف مع الحكومة من داخل النظام السياسي بما يحقق سياسات وتطلعات فئات اجتماعية بعينها ومصالحها مع وجود مؤسسات ضامنة لاحترام مصلحة الجمهور كحراس العتبة والمحاكم وغيرها.
في المقابل، اعتقد الإسرائيليون أنّ الفلسطينيين يخضعون لهول التوحش الإسرائيلي أو بمزيد من الضغط القائم على تدمير حياتهم؛ كتدمير البنية التحتية التي أنشأها الفلسطينيون على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، وشقى عمرهم بتكوين أسرهم ومنازلهم وأعمالهم وممتلكاتهم، ولشظف العيش والنزوح المستمر. كما ظن الاسرائيليون أنّ التنكيل المستمر بهم يمكن أنْ يستسلموا للاحتلال بناءً على فكرة الجدار الحديدي، لدى الصهيونية التصحيحية التي ينتمي إليها أغلب أعضاء مجلس الوزراء، القائمة على القوة العسكرية في فرض سيطرة إسرائيل. يعتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية أنّ إطالة أمد الحرب تمكنه من التغلب على الخسائر المعنوية التي مُنيت بها يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر (سيتم التطرق لها في المقال القادم) وتضمن له مزيداً من الوقت لزيادة معاناة الفلسطينيين وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة.
في ظني أنّ النجاح الكبير للعملية العسكرية صباح يوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر باختراق الحدود والوصول إلى القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، واستمرار المقاومة على مدار أكثر من عام، قد دحضت تمثلات وافتراضات الاحتلال الإسرائيلي المسبقة القائمة على الفكر الاستعماري وأنّها لم تكن قادرة على فهم طبيعة المجتمع الفلسطيني أو تخيل قدراته على الصمود والمواجهة، وقدرته على التحليل التحرري لفهم طبيعة الصراع والتناقض الرئيسي المتمثل بالاحتلال وأولوياته والتناقض الثانوي القائم على المصالح المتعارضة لقوى الشعب والفصائل الفلسطينية وأولوياتها. في ذات الوقت يبدو أن القائم على عملية طوفان الأقصى لم يدرك مغزى التحولات في البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي في العشرين عاماً الماضية المذكورة آنفاً.