الصين والشرق الأوسط الجديد.. من طريق الحرير لطريق الحزام والأمان
الكاتب: دلال صائب عريقات
تعدّ طريق الحرير القديم أحد أهم الممرات التجارية في التاريخ، حيث ربط بين الصين والشرق الأوسط وأوروبا، وأسهم في تبادل البضائع والثقافات وموازين القوة والهيمنة بين الشعوب. في السنوات الأخيرة، أعادت الصين إحياء هذه الطريق من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، التي تهدف إلى إنشاء شبكة عالمية من البنية التحتية والتجارة تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، مع دور محوري للشرق الأوسط في هذه المبادرة.
مبادرة "الحزام والطريق"، التي تعرف أحيانًا باسم "طريق الحرير الجديد"، ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي أيضًا أداة لتعزيز النفوذ الصيني عالميًا، خصوصًا في الشرق الأوسط الذي يتمتع بموقع استراتيجي هام، ويعد ممرًا حيويًا للنفط والموارد الطبيعية. تسعى الصين من خلال هذه المبادرة إلى تطوير البنية التحتية مثل الموانئ والطرق السريعة، ما يعزز التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الشرق الأوسط ويعزز استقرار المنطقة.
في السياق ذاته، يعتبر تجمع البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) كتلة اقتصادية قوية تسعى لتحدي الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي. وتلعب دول البريكس دورًا مهمًا في صياغة معادلات جديدة في الاقتصاد الدولي، حيث تتعاون في مجالات مثل التنمية المستدامة والطاقة والتكنولوجيا. ومع توسع نفوذ البريكس في الشرق الأوسط، يمكن للدول العربية أن تستفيد من الاستثمارات والبنية التحتية والتعاون التكنولوجي، وهو ما يعزز فرص النمو والاستقرار في المنطقة.
عند متابعة الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في الشرق الأوسط، خاصة بعد لعب الصين دور الوسيط لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد سبع سنوات من العداء. ومن المتغيرات الهامة اتساع تمثيل البريكس، تشكل تحالف الـ "بريكس" من كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، وتم الاتفاق على ضم ٦ دول جديدة لتشمل كل من مصر والإمارات والسعودية وإثيوبيا والأرجنتين وإيران لتصبح ١١ دولة في هذا التحالف مع بداية ٢٠٢٤ الذي قد نشهد معه تحول النظام العالمي في القرن الواحد والعشرين من نظام أحادي إلى متعدد القطبية، ومن هيمنة الدولار إلى عملة أخرى، ومن النيوليبرالية إلى اشتراكية جديدة متوسطة تجمع دولاً متقدمة في القارة الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية. الشرق الأوسط، بموقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، يمثل نقطة تقاطع بين مبادرة الحزام والطريق واهتمامات دول البريكس. التعاون بين هذه الكيانات والدول الشرق أوسطية يفتح الباب أمام فرص اقتصادية هائلة، ولكن التحديات السياسية والأمنية التي تغذيها الولايات النتحدة قد تشكل عقبات أمام تحقيق الفوائد المرجوة.
في فهم التحالفات الدولية، تنتهج الولايات المتحدة الحرب والسلاح، تنتهج الصين السلام والتنمية. في الختام، يمثل كل من "طريق الحرير"، ومبادرة "الحزام والطريق"، وتكتل البريكس فرصًا هائلة للتنمية الاقتصادية والتعاون الاستراتيجي في الشرق الأوسط. ومع استمرار هذه المبادرات، يمكن أن يلعب الشرق الأوسط دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
البريكس تحالف مثير، ومن المهم جداً لنا كفلسطينيين تعزيز الوجود بإيجابية وجاذبية لتقوية العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول المتحالفة. تقدم فلسطين بطلب الانضمام هو تخطيط استراتيجي دبلوماسي على أساس قاعدة الربح ربح في رسم خارطة السياسة الخارجية. موقف "بريكس" من القضية عادل وإيجابي حيث طالب الإعلان الختامي للقمة الاخيرة، بدعم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مبادرة السلام العربية الهادفة إلى تنفيذ حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطين. كما عبروا عن رفضهم للاستيطان وعنف المستوطنين المتصاعد، وأكدوا دعمهم لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وتعهدوا بتقديم المزيد من المساعدات الدولية لتحسين الوضع الإنساني للشعب الفلسطيني.
تغيير سلوك الصين تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية مرتبط بصفقة تشمل الشرق الأوسط، أي بانفراج كبير قد يأتي علئ شكل علاقة تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بما يضمن معادلة ربحية لجميع الأطراف مع الفلسطينيين على الطاولة، ومع تزايد وضعها الحالي كقوة صاعدة في المنطقة والعالم، فإن الصين في وضع جيد للتوسط في هذه الصفقة الكبرى، ولكنها تحتاج للمحفز، ليس بالضرورة لتحل محل أمريكا، ولكن لتقود تحالفاً للوساطة والتنمية وللسلام الدولي.