غايات مصادرة المقر الاممي
الكاتب: عمر حلمي الغول
من الخطأ الكبير قراءة أي مراقب سياسي او اعلامي او قانوني، وبغض النظر عن جنسيته جرائم وانتهاكات دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية معزولة عن خلفيات وتوجهات سادتها في واشنطن، او بعيدا عن دول المركز الاميريالي في أوروبا الغربية، وفي السياق عدم التعامل بجدية مع المواقف الرسمية المعلنة من هذا الطرف او ذاك المتباينة والمتناقضة أحيانا كثيرة، لأنها للتضليل والتشويش، ولا يقتصر ذلك على الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن عموما وقطاع غزة خصوصا، فضلا عن انه يشمل الساحة اللبنانية والترتيبات الجارية في الشرق الأوسط، وقلبه الوطن العربي.
لما تقدم صلة عميقة، بالقرار الإسرائيلي بمصادرة الأرض المقام عليها مقر وكالة (الاونروا) في حي الشيخ جراح في العاصمة الفلسطينية القدس، وتحويل الموقع الى بؤرة استيطانية تضم 1440 وحدة استيطانية الصادر يوم الخميس 10 تشرين اول / أكتوبر الحالي، أي قبل 3 أيام، حسب ما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم".
وهذه الخطوة الاجرامية في إطار تصعيد الانتهاكات المنهجية الإسرائيلية ضد الوكالة خصوصا، وهيئة الأمم المتحدة عموما وشخص الأمين العام غوتيرش تحديدا، بما في ذلك سن قوانين إزالة الشرعية عن (الاونروا)، ووصفها بالمنظمة "الإرهابية". وجاء هذا القرار في اعقاب مصادقة لجنة الخارجية والامن البرلمانية الإسرائيلية على مشروع قانون يهدف الى قطع العلاقات بين إسرائيل والوكالة الأممية، حيث من المتوقع مصادقة الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة خلال هذا الأسبوع على "تجريم" (الاونروا).
وينص مشروع القانون الإسرائيلي على الغاء الاتفاق الذي وُقع عام 1967، وسمح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) بالقيام بمهامها الأممية تجاه اللاجئين الفلسطينيين في القدس واراضي دولة فلسطين المحتلة كافة، وهو ما يعني الغاء الامتيازات الديبلوماسية والاقتصادية الممنوحة للوكالة ولموظفيها الامميين، وقطع الاتصالات بين الوكالة والسلطات الإسرائيلية ذات الصلة، وبالتالي وقف نشاطها، ومنعها من تقديم الخدمات الإنسانية التربوية والصحية واللوجستية للاجئين الفلسطينيين، وحرمان عشرات ومئات الاف التلاميذ والطلاب من التعليم، وكذلك الخدمات الطبية عن المخيمات الفلسطينية. وتمهيدا للقرار الاجرامي الإسرائيلي، كانت سلطات دولة الإبادة الإسرائيلية طلبت من وكالة (الاونروا) إخلاء مقرها الرئيس في حي الشيخ جراح في العاصمة القدس بذريعة مفضوحة عنوانها "استخدام الأرض دون موافقة سلطة أراضي إسرائيل." ليس هذا فحسب، انما قررت تلك السلطات النازية بتغريم الوكالة دفع عشرات الملايين من الشواكل كإيجار متأخر عن السنوات التي استخدمت فيها العقار. ومن المعلوم ان مقر الوكالة في الشيخ جراح، هو المقر الرئيسي للوكالة.
وجاء القرار الإسرائيلي بعد يوم واحد، أي يوم الأربعاء 9 تشرين اول / أكتوبر الحالي من تحذير الدول الأعضاء في مجلس الامن لإسرائيل اللقيطة من المضي قدما في إقرار تشريعاتها غير القانونية لوقف نشاطات واعمال وكالة الهيئة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وكان أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة أرسل رسالة لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذا الخصوص. لكن دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، لم تأبه ببيان وتوجيهات الدول الأعضاء في مجلس الامن، طالما العصا الأميركية الغليظة مرفوعة في وجه العالم قاطبة، في حال تعرض لأداتهم الوظيفية إسرائيل من قريب او بعيد.
وغايات هذه الخطوة الخطيرة، التي لم تكن مفاجئة لاحد، لا سيما وان الانتهاكات الأميركية الإسرائيلية المتعاقبة والمتتالية ضد هيئة الأمم المتحدة عموما، ووكالة (الاونروا) خصوصا لا تقتصر على تصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين فقط، انما تستهدف شطب القضية الوطنية كليا، وتبديد الكيانية الفلسطينية، والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على ارض فلسطين التاريخية، وإقامة "دولة إسرائيل الكاملة" من البحر الى النهر، او كما أعلن سموتيريش الاسرائيلي، وزير المالية اول امس، بان إسرائيل ستضم كل من لبنان والأردن وسوريا وجزء من الأراضي السعودية ومصر، وبالتالي وفق السيناريو الصهيو أميركي، الغايات عميقة الصلة بإعادة هيكلة دولة الإقليم بما يتوافق مع المصالح الاستراتيجية الأميركية وحلفائها في الغرب الرأسمالي، واستباقا للانزياحات الجيوسياسية العالمية، وبناء المنظومة العالمية متعددة الأقطاب، كما يشكل خطوات تمهيدية لهدم المعبد الاممي، لأنه لم يعد يستجيب للمصالح الحيوية الأميركية، ولا يخدم سياسات اداتهم اللقيطة إسرائيل النازية. والسعي لإعادة تشكيل هيئة اممية جديدة تتوافق مع مصالح الغرب الرأسمالي، وهنا سيحدث الاصطدام الديبلوماسي إن لم يكن ابعد من ذلك بين الأقطاب الدولية وفقا للمصالح الاستراتيجية لكل فريق.
من المؤكد، أن المنظومة الأممية القائمة تتجه نحو التفكك، وإعادة التشكل. لكن من المبكر استنتاج السيناريو الذي ستتخذه في المستقبل المنظور، لان الانواء والمخاض العسير الذي يعيشه العالم، يحمل في طياته الكثير من التحولات الدراماتيكية
وعلى أهمية ما سيشهده العالم، اللحظة الراهنة تتطلب من القيادة الفلسطينية بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وهيئة الأمم المتحدة باتخاذ خطوات هجومية سياسية وديبلوماسية وقانونية لعزل كل من إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، لوقف البلطجة الصهيو أميركية، والعالم يستطيع اتخاذ خطوات وفق لوائح ونظم الهيئة الأممية، والعمل على حماية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهيئة الأمم بشخصيتها الاعتبارية القائمة، وحماية هيبتها ومكانتها الأممية، وسحب البساط من تحت اقدام واشنطن وتل ابيب ومن يدور في فلكهم قبل الانقلاب الدراماتيكي القادم عاجلا ام آجلا.