من غزة إلى لبنان
الكاتب: رامي مهداوي
مع حلول الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، نجد أنفسنا في مواجهة واقع أشد تعقيداً وأكثر قتامة مما كنا نتصوره. لم تعد الحرب تقتصر على حدود قطاع غزة؛ بل امتدت ألسنة اللهب لتصل إلى لبنان.. اليمن... سورية والعراق، حيث انضمت لبنان المثقلة بالحروب السابقة إلى دائرة الصراع المتوسع. لبنان، الذي عانى من الصراعات الداخلية والخارجية على مدى عقود، بات الآن جزءاً من مسرح جديد للعنف والدمار. ومع ذلك، يبدو أن الحريق لن يتوقف هنا، إذ قد يتوسع ليشمل دولاً أخرى في المنطقة، ما يضع الإقليم بأسره في خطر الانفجار.
لقد مضى عام من الصراع والدمار، ولا تزال صور المشاهد المرعبة من غزة ولبنان تهيمن على العناوين. آلاف الضحايا بين شهيد وجريح، ومدن تحولت إلى أطلال. ليس فقط البنية التحتية هي التي تضررت، بل نُسفت أيضاً أجيال كاملة فقدت منازلها وأحلامها وحياتها الطبيعية. في هذا السياق، تبرز أسئلة حارقة: ما الذي جرى خلال هذا العام؟ وكيف يمكن أن يستمر الصراع بهذه الحدة دون تدخل دولي حقيقي لإنهائه؟
إن ما يميز هذه الحرب عن غيرها هو أنها كشفت عن هشاشة النظام الدولي وضعف المؤسسات التي كان من المفترض أن تحمي حقوق الإنسان وتفرض القانون الدولي. لقد بدا واضحاً أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن عجزا عن إيقاف النزيف المتواصل، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لإفشال أي محاولات لوقف إطلاق النار أو حماية المدنيين.
الأمر الأكثر خطورة هو أن الحرب هذه لم تكتف بانتهاك القوانين الدولية، بل أعادت كتابة قواعد جديدة للصراع. لم تعد اتفاقيات جنيف الأربع المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحروب ذات فعالية. على مدار العام الماضي، تعرضت المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء في غزة ولبنان لهجمات وحشية، بينما استهدف الجيش الإسرائيلي العاملين في المجال الطبي والصحافيين، وكأن هذه الجرائم تحدث في ظل قانون جديد يشرع الاعتداء على الإنسانية بلا قيود.
واحدة من الظواهر الجديدة التي برزت في العام الأول للحرب هي استخدام التقنيات الحديثة بشكل مكثف في ساحة المعركة. الذكاء الاصطناعي وطائرات الدرون الصغيرة أصبحت أدوات اغتيال موجهة بدقة، تستهدف الشخصيات المؤثرة حتى في منازلها. إن هذا الاستخدام الواسع للتكنولوجيا في عمليات الاغتيال والاستطلاع زاد من تعقيد المشهد الإقليمي، حيث أصبحت الحروب أكثر دقة وفتكاً، وأقل احتراماً لحياة المدنيين.
وفي ظل هذه الظروف، تصبح التساؤلات حول المستقبل أكثر إلحاحاً: كيف ستبدو الحرب في العام الثاني؟ وهل ستستمر هذه التقنيات الجديدة في توجيه المعركة نحو مزيد من الفوضى والدمار؟ أم أن هناك فرصة لإنهاء هذا الكابوس قبل أن يخرج عن السيطرة تماماً؟
إن توسع الصراع ليشمل لبنان، وربما دولاً أخرى في المستقبل، يهدد بتحويل الإقليم إلى جحيم قد يمتد تأثيره إلى دول أبعد من الشرق الأوسط. التوترات الحالية تحمل في طياتها إمكانية انفجار إقليمي أو حتى حرب عالمية ثالثة، خاصة إذا استمر استخدام الطاقة كرهينة في الصراعات وتوظيف البنية التحتية كأدوات في معارك طحن العظام. هذا السيناريو المظلم يجعل من الضروري طرح السؤال: هل يمكن أن يتوقف هذا التصعيد قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة؟
رغم كل ما حدث خلال العام الأول، يبقى الأمل قائماً في أن يكون هناك ضوء في نهاية النفق. قد يتطلب الأمر تحركاً دولياً حازماً لفرض تطبيق القانون الدولي بالقوة، كما حدث في حالات سابقة مثل العراق ويوغوسلافيا. ربما تحتاج الدول الكبرى إلى إدراك أن استمرار هذا الصراع سيؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى العالمي.