نيكاراجوا الشقيقة تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
الكاتب: د. محمد عودة
لا بد من كلمة شكر وتقدير لجمهورية نيكاراجوا الساندينية والتي رغم ظروفها الصعبة وقربها الجغرافي من الولايات المتحدة التي تتربص بها مستخدمة كل الوسائل للإبقاء عليها دولة فقيرة وخير دليل على ذلك بذلت أمريكا الممكن وغيره لمنع نيكاراغوا من شق قناة نيكاراغوا والتي كانت ستشكل مصدراً هاماً للدخل ولم تكتفي بذلك بل فرضت حصاراً مالياً على نيكاراغوا ورغم كل ما سلف قررت نيكاراغوا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل مما قد يسهم في فتح الطريق أمام آخرين لقطع العلاقات مع هذا الكيان المارق. من أعماق القلب شكراً نيكاراجوا الشقيقة.
منذ أوائل ستينات القرن الماضي اجتمعت ثلة من رجالات القيم والمبادئ وقرر المجتمعون خوض ثورة هدفها الإطاحة بالديكتاتور انستاسيو سوموزا من أجل إيجاد حكم يضمن كرامة الإنسان ويحمي الحريات بما فيها الحقوق الفردية، في تلك الجلسة قرروا إطلاق اسم اوغوستو سيزار ساندينو على حركتهم الجديدة كنوع من الوفاء لدور ومبادي ساندينو الذي قاد المقاومة النيكاراجوية التي انهت الاحتلال الأمريكي لنيكاراغوا الذي بدأ عام 1912 وانتهى عام 1933. بعد قرابة عشرين عاماً تمكنت الثورة الساندينية من الإطاحة بالديكتاتور انستاسيو سوموزا دي بايل أواخر تموز 1979 وإقامة حكم ديمقراطي.
حكومة الجبهة الساندينية بدأت مشاريع اجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف الإنسان ووضع أسس المساواة، وقد شملت هذه المشاريع برنامج لمحو الأمية وبرنامج الضمان الصحي وتوفير الخدمات الصحية لعامة الشعب إضافة إلى تعميم التعليم العالي ومد جسور صداقة متينة مع دول الجنوب (العالم الثالث). يشار إلى أن المعارضة فازت بالانتخابات التشريعية عام 1990، لكن الجبهة الساندينية عادت مجدداً إلى الحكم.
نيكاراجوا الشقيقة كانت ولا زالت تقف بحزم إلى جانب الشعب الفلسطيني وقد صوتت في كل المناسبات لصالح القضية الفلسطينية وفي كل المحافل القارية والأممية، لم يكن آخرها الانضمام إلى جنوب إفريقيا في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب أخرى.
قبل فترة وجيزة ناقشت الجمعية الوطنية (البرلمان) النيكاراجوية الوضع بالشرق الأوسط وأوصت الحكومة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لأنها تمارس عدوان همجي على الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد على ستة وسبعين عاماً إلا أن هذا العدوان تخطى كل الحدود في العام الأخير، وبناءً على هذه التوصية قررت الحكومة يوم الجمعة 11/10/2024 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
لماذا أسميتها نيكاراجوا الشقيقة؟ ببساطة لأن هناك سفارات ومكاتب تمثيل في أكثر من عشرة دول شقيقة كان بالإمكان استخدام هذه الممثليات للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على إخوتهم العرب الفلسطينيين، لكن للأسف لم يبادر أحد من حكام هذه الدول إلى استدعاء سفيره للتشاور أو حتى استدعاء السفير الإسرائيلي لتوجيه رسالة. لم يقدم أي بلد عربي شقيق على قطع علاقاته مع إسرائيل وهنا يتبادر السؤال من أقرب لفلسطين العربية؟ دول التطبيع أم نيكاراجوا؟ الحقيقة أن نيكاراجوا أقرب وأنها أكثر حزما في موقفها من العدوان على الشعب الفلسطيني من الكثيرين في الوطن العربي وهنا يحضرني المثل الشهير (رب أخ لك لم تلده أمك).
هل سيحذو حذو نيكاراجوا البعيدة في الجغرافيا والقريبة في القيم أي من الأشقاء العرب؟ وهل ستكون نيكاراجوا قائدة نزع الشرعية عن الاحتلال الصهيوني عبر مطالبة الأمم المتحدة بسحب اعترافها بإسرائيل؟ أعتقد جازماً أن نيكاراجوا الشقيقة والصديقة رسمت طريقاً واضحاً يمكن لأي كان سلوكه حتى إنهاء هذا الاحتلال البغيض وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية وفي المقدمة حقه في تقرير المصير.
مرة أخرى شكراً نيكاراجوا الشقيقة على تعبيد طريق الشعوب للخلاص من مغتصبي أراضيها وحقوقها. شكراً على البرهنة للمرة المليون على انسجام الطرح مع الممارسة.