الحلقة الثالثة: دروس عام من الإبادة الجماعية
الكاتب: عمر حلمي الغول
بالتواصل مع ما تقدم من دروس في المشهد الفلسطيني العام، سأورد بعض النقاط عن واقع قطاع غزة المأساوي والكارثي، الذي يعيش جحيم الإبادة والنكبات المتوالية نتيجة السياسات الصبيانية، التي قدمت الذرائع الواهية للعدو الصهيو أميركية ومن يدور في فلكهم لارتكاب أبشع وأفظع حروب العصر الحديث:
10- وقوع العديد من قيادات حركة حماس في تقييم عام لعنة النكبات الفلسطينية، في استصغار شأن ومكانة الانسان الفلسطيني في معادلة الصراع مع الأعداء الإسرائيليين، واعتبار الاعداد الهائلة من الشهداء والجرحى والمفقودين من أبناء الشعب أرقاما، مع انهم العامل الأهم والاستراتيجي في معادلة الصراع مع العدو الصهيو أميركي، وكون الانسان رأس المال الفلسطيني الأول في الدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، وجهل الخلط بين الاستراتيجي والتكتيكي، وبين الصمود والنصر، وعدم التمييز بين الإبادة الجماعية واهوالها ونقاط ضعف ومثالب وازمات العدو الصهيوني، وعدم نجاحه في تحقيق أهدافه الوحشية؛ 11- غياب القراءة الموضوعية المسؤولة لدى قيادات حركة حماس للواقع العربي والإسلامي بشكل جيد، والتطير الساذج والعاطفي، والاندفاع في طرح فرضيات كونفشارية عدمية، واسقاط الامنيات الخاصة عبر عملية التضخيم العقيم للمشهد، مما اوقعهم في حسابات بعيدة بعد الأرض عن السماء للواقع المعطي؛ 12- مؤكد ان الصمود البطولي من أبناء الشعب عموما وأذرع المقاومة، رغم مرور عام من الاحتلال الصهيو أميركي الكامل لقطاع غزة، وتجييش اساطيل الغرب وحاملات الطائرات والغواصات النووية والاقمار الصناعية واستخدام أجهزة التجسس الاحدث في العالم كافة لوأد روح المقاومة، ورغم ان مساحة قطاع غزة لا ترى على الخارطة لصغرها ومحدودية سعة المكان، وطبيعته الطبوغرافية السهلية والمفتوحة ككف اليد، الا ان الصمود ومواصلة المقاومة يعتبر درسا إيجابيا ومن الدروس التي سطرها أبناء الشعب العظيم. لكن اليات العمل الطائشة، وخطيئة الحسابات العبثية القت بضلال سلبية على الواقع؛ 13- سعي قيادات حماس وحلفائها من البداية للزج بالضفة الفلسطينية في اتون دوامة الإبادة الجماعية، وبالطريقة التي انتهجتها تلك القيادات المراهقة، لمنح العدو الإسرائيلي الفرصة لتبديد الكيانية الفلسطينية. مع أن الحرب الصهيو أميركية على الضفة الغربية بما فيها القدس العاصمة الأبدية، لم تكن يوما خارج دائرة الصراع والموت والابادة، لا بل هي في قلب وجوهر المشروع الاستعماري النازي، ولم تتوقف دوامة تلك الحرب الاجرامية يوما، وهي دائرة طيلة عقود الصراع الطويلة، والشواهد اليومية تشي بذلك، وستستمر الى ان يهزم المشروع الصهيوني الامبريالي.
14- على صعيد آخر، تابعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين المحتلة وحكوماتها المتعاقبة الدفاع المستميت عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، وتمكنت من تحقيق العديد من الإنجازات السياسية والديبلوماسية والقانونية، وعززت مكانة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، وحاصرت دولة إسرائيل اللقيطة في المحافل الأممية، وعلى المستوى العالمي في المنظمات والهيئات الإقليمية والقارية؛ 15- على مدار شهور وايام الإبادة الجماعية قدمت الحكومة الفلسطينية في مجالات الحياة المختلفة ضمن الإمكانيات المتاحة وبالتعاون مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية الاحتياجات الأساسية المطلوبة لتعزيز صمود أبناء الشعب في القطاع والضفة والقدس العاصمة، ولم تقف مكتوفة الايدي، وعملت بلا كلل لوقف الإبادة الجماعية، ووقف التهجير القسري لأبناء الشعب، وبذلت الجهود المكثفة لتأمين الحماية الدولية للشعب في التجمعات الفلسطينية كافة، وتصدت لمحاولات العدو الإسرائيلي النازي في خلق بدائل كرتونية كروابط القرى عن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب، ودولة فلسطين المحتلة وحكومتها، ونجحت حتى اللحظة في وأد هذا التوجه، رغم الوعيد والتهديد والانتهاكات الخطيرة ضدها من قبل العدو الصهيو أميركي؛ 16- العمل بخطى حثيثة لعقد المؤتمر الدولي للسلام لتكريس الاعتراف بدولة فلسطين، كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المحتلة، وفرض الانسحاب الإسرائيلي الكامل عن قطاع غزة واراضي الدولة كافة، وتطبيق الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية الصادرة في 19 تموز / يوليو الماضي، والتي تم تبنيها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 أيلول / سبتمبر الماضي.
مؤكد هناك دروس أخرى من تجربة عام الإبادة الجماعية على الصعيد الفلسطيني، قد أعود لها في وقت آخر بتوسع أكبر، لكن اكتفي راهنا بهذا القدر من العبر والدروس الهامة، والتي يفترض الاستفادة منها لتعزيز جسور الوحدة الوطنية، لا سيما وان هناك اليوم الأربعاء 9 تشرين اول / أكتوبر الحالي في القاهرة لقاءا يضم كل من قيادتي الحركتين فتح وحماس برعاية مصرية لتجسير المسافات، ووضع الخطوط العريضة للبناء عليها استعدادا لمواجهة تحديات اليوم التالي للحرب، والشروع بإعادة اعمار ما دمرته حوب الإبادة المجنونة وغير المسبوقة.