إيران... هل يكون الاعتدال مخرجاً؟
الكاتب: نبيل عمرو
لا ينقص الدولة الإقليمية الكبرى "إيران" معرفة قدراتها الفعلية وقدرات خصومها، ووفق ذلك تضع أولوياتها وحدود حركتها.
ولعلها عرفت كذلك قدرات أذرعها وحلفائها، حيث المواجهة التي عمرها سنة، لا تقتصر على إسرائيل وما لديها من إمكانيات، ولا حتى أمريكا، بل تقف أهم دول الناتو معهما، وهذا ما حدث بالفعل حين اضطرت إيران للمواجهة المباشرة ولو على مستوىً محدود.
ومثلما تدرك إيران ذلك تدرك إسرائيل وبحساباتٍ دقيقة، أنها لن تقوم بأي عمل مباشر ضد إيران، إلا إذا كانت أمريكا موافقة عليه، وفق ميزان أن العمليات المحدودة خارج نطاق الأهداف الاستراتيجية، تحتاج فقط إلى ضوء أخضر، أمّا الكبرى كالمنشآت النووية فلا مناص من مشاركة أمريكية مباشرة.
إيران ما تزال تناور للإفلات من الحرب التي تريدها إسرائيل، وما تزال أمريكا تتحفظ عليها، وإذا ما ظلت الأمور ضمن هذا السياق فبوسعنا اعتبار أن الدولة الإيرانية نجحت ولو بجراح معنوية أصابتها من النأي بنفسها عن حرب جذرية تريدها إسرائيل وتعتقد أنها تقترب منها.
إيران الدولة، ليست منعدمة الخيارات البديلة، عن الجهد العسكري الذي يُنتظر منها، وإذا كان مصطلح الصبر الاستراتيجي أعفاها من القيام بردود عسكرية واسعة على كل ما تعرضت له من استفزازات وتحرشات إسرائيلية، فإن خياراً آخر يبدو أنها وضعت خطواتها الأولى عليه، وعنوانه الأبرز الرئيس بزشكيان الذي تولى مهمته الصعبة في ظرفٍ تتهدد الدولة تحديات ربما تصل حد أن تكون وجودية.
الخصم الأمريكي الذي هو بالنسبة للمعتدلين وفي مقدمتهم رئيس الدولة ومن معه، يجسّد مشروع حوار ومصالحة وحتى مقايضة، هذا الخصم يمر الآن بمرحلة حرجة وملتبسة، بين إدارة ديموقراطية تبدو حذرة وأقرب إلى الممانعة، لتوجيه ضربة قاصمة استراتيجية لإيران، وبين إدارة جمهورية تقف على أبواب البيت الأبيض، تدعو جهاراً نهاراً إلى ضربة جذرية أهمها المشروع النووي.
وهذه حالة ينبغي أن يُنظر إليها في إيران بجديةٍ عالية، ما دام احتمال سيطرة الجمهوريين على القرار الأمريكي لا يحتاج من الوقت سوى أسابيع قليلة.
منذ لقاء بكين الذي يستحق أن يوصف بالتاريخي الذي خفّض كثيراً من التوتر العالي بين السعودية وإيران، وأظهر حاجة الدولتين الكبيرتين لبلوغ "صفر مشاكل" بينهما، وإلى اللقاءات التي تلته وآخرها لقاء بزشكيان بالأمير فرحان في الدوحة، يبدو أن مسيرة الاعتدال الإيراني وخصوصاً في مجال العلاقات مع الجوار ما تزال تعمل، وهذا يسجل كنقطة إيجابية ثمينة لمصلحة الطرفين وللتأثير إيجابياً على الصورة الإيرانية أمام العالم وخصوصاً لدى من يحتاجون إلى اعتدالها في أوروبا وأمريكا.
غير أن الحذر الإيراني ينبغي أن يظل قائماً ما دام نتنياهو يعتنق فكرة أضحت بمستوى المبدأ الثابت، وهي جرّ أمريكا وحتى الناتو إلى حرب جذرية مع إيران، لن تتوقف عند المنشآت الاستراتيجية، ومن ضمنها النووية، بل تمتد إلى ما هو أكثر جذرية بما في ذلك التطلع لتغيير النظام.
ليس كل ما يريده نتنياهو يمكن أن يتحقق، حتى لو جرّ أمريكا والناتو إلى أجنداته المجنونة، لكن الذي يوجب الحذر والتحوط، هو أن مجرد المحاولة في هذا الاتجاه ستنتج دماراً يكون دمار غزة ولبنان صورةً مصغرةً عنه.
إيران الدولة والنظام والرئيس، ليس مطلوباً منها رفع رايةٍ بيضاء أمام خطرٍ محدق، وهي لن تفعل ذلك ولا يجب أن تفعل مهما كان الثمن، غير أن الممكن هو سحب البساط من تحت أقدام نتنياهو، بتطوير اعتدال الدولة الإيرانية، وخصوصاً في علاقاتها مع الجوار وهذا ما أفاد به الرئيس الجديد صراحةً ولا يوجد ما يمنع من أن يكون قراراً إيرانياً جماعياً تتخذه الدولة كلها.