الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:52 AM
الظهر 11:27 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:41 PM
العشاء 6:01 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الزيتون ودموع الغارسين في غزة

الكاتب: سما حسن

فجأة ومثل كابوس ثقيل تغير كل شيء، تخيل أنك قد وضعت نفسك في سريرك بعد أن شربت كوباً من الحليب الدافئ وخفضت إضاءة الغرفة وأسدلت الستائر وبدأت تستعد لنوم ليلة هانئة ولكن بمجرد أن أصبحت في سباتك العميق فهناك كابوس مرعب قد جثم فوق صدرك ولم تستيقظ منه حتى الآن، وهذا ما حدث لكل أهل غزة، حيث ناموا ولم يستيقظوا  حتى اللحظة وظل هذا الكابوس جاثماً فوق حياتهم بكل تفاصيلها.
حياتهم التي كانت بسيطة وتسير في معظمها على وتيرة واحدة وهي أن تبدو قوياً وقادراً فيما أن دخلك بسيط وبيتك ضيق وسبل الخروج من القطاع نحو العالم تكاد تكون ضيقة وأضيق مما قد يتخيل إنسان لكنك رغم ذلك تمارس كل شيء بتقبل وتسعد بالأعياد وتفرح بعرس لجارك أو قريبك وتستعد له، أما حين تأتي المواسم فحدث ولا حرج عن استعدادك وفرحتك بطقوس جني البلح مثلاً وطقوس قطف الزيتون وتلك الطقوس التي تعلمتها وورثتها عن أجدادك ولا تحيد عنها حتى وأنت تمتلك نخلة واحدة في باحة بيتك أو حتى وأنت لا تمتلك شجرة زيتون ولكنك تحمل متاعك وطعامك وتذهب بكل سعادة لكي تساعد جارك أو قريبك وربما تحصل على إجازة من عملك من أجل ألا تفوتك تلك الطقوس.
تمر هذه الأيام طقوس غائبة هي طقوس قطاف الزيتون والبلح وحيث علمنا أجدادنا أن الموسم يتغير فهناك عام يكون فيه البلح وفيراً ومعنى ذلك أن الزيتون لن يكون بمحصول وفير، والعكس سيحدث في العام التالي فتطل أمي بوجهها الصبوح المحمر من باب مطبخها وتعلن قائلة: السنة سنة البلح، بدنا نعمل عجوة ونخزن، والله بيعين رح نشتري تنكتين زيت زيتون، شجراتنا حملهن قليل.
وهكذا أصبحت حافظاً ولا تخطئ وقبل أن يبدأ الموسم تتجول في سوق الزيتون في مدينة خان يونس، تقطع الطريق الحجري القديم قدم قلعة برقوق وتمر من أمام سور المقبرة القديمة وتقرأ الفاتحة على روح جديك الحبيبين ثم تعرج يساراً فتجد نفسك في سوق الزيتون فتسأل أول بائع: السنة يا عم سنة زيتون ولا بلح؟، فيرد عليك بسرعة وقبل أن يرد فأنت تنظر نحو بضاعته فإذا كان يضع أمامه تلاً كبيراً من الزيتون فيجب ألا تنتظر الإجابة وتتوقع أن سعر رطل الزيتون سوف يكون في متناول يدك، أما إن كان ما أمامه لا يزيد على تل صغير وحباته أصغر وتبدو نحيلة فأنت تتوقع أن تكون هناك معركة صغيرة بينك وبينه قبل أن تصل لسعر مناسب فهو بالقطع سوف يطلب سعراً مرتفعاً ويذكرك بأن السنة سنة البلح وأن تنكة الزيت سوف تكون بسعر مضاعف.
لا يمكن أن تغيب هذه الطقوس عن البال وأنت ترى غزة وقد دمرت وكأن من قام بتدميرها تعمد أن يقتل الأحياء قبل الأموات، فالأموات أنت تعرف مصيرهم وأنهم قد أصبحوا في جوف الأرض، أما أنت يا من ما زلت حياً فأنت سوف تبكي كثيراً وسوف تشعر بوخزات في قلبك تعدل كل واحدة ميتة وأكثر وأنت تتذكر رائحة الزيتون ورائحة الهواء المعبق بالزيت ورائحة أشجار النخيل وحبات الرطب التي كنت تلتقطها وقد داست عليها الأقدام ولكنك تذهب لتنظفها ثم تغسلها ولا تتردد على صغر سنك وجهالتك أن تلوكها في فمك وأنت تقسم اليوم أنها أشهى وألذ ما أكلت، وأن لا شيء يعادل حلاوة مثل تلك الأيام التي كنت تلهو في حوش بيت جديك، وكنت تسمعهم وهم يستعدون لقطف الزيتون ويجمعون القليل من الرطب متأسفين على نخلتهم الوحيدة التي لم يجدوا المال لكي يقوموا بتلقيحها، ويبدي جدك سخطه من الرجل المتخصص في تلقيح النخل والذي يطلب مقابل ذلك مالاً بعملة الدينار ليدلل على أهمية عمله وكنت تشعر بالأسى وتتمنى لو كنت تملك المال لكي تسعد جديك العجوزين الفقيرين.
اليوم يبكي قلبك مثل كل قلوب أهل غزة الذين افتقدوا طقوس قطف الزيتون وجني البلح، وتعرف بؤس حالهم وأن الزيت قد أصبح أمنية وأن البلح قد أصبح حلماً وهم ما زالوا يعيشون أسوأ كوابيسهم التي استطاعت أن تحولهم إلى موتى أحياء، فالموت ليس أن تنتهي في جوف الأرض ولكن الموت أن تبكي كل ما كان جميلاً وأصبح ماضياً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...