خطاب الكراهية وقلب الحقائق
الكاتب: عمر حلمي الغول
شتان ما بين خطاب بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل أمام أعضاء المجلسين في مبنى الكابيتول في واشنطن في 24 تموز / يوليو، وبين خطابه قبل 5 أيام أمام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم أن الخطابين كانا مليئين بالأكاذيب والافتراء على الواقع، وهو المشترك بينها، لأن الخطيب نفسه، وهو المعروف أسوة بقادة دولته المارقة والخارجة على القانون الدولي، والتي قامت على الرواية المزورة للتاريخ وحقائق الصراع العربي الصهيوني، والمرتكز على شعار الحركة الصهيونية الرجعية والعنصرية "ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، والتي (إسرائيل) أقامها الغرب الامبريالي عموما كأداة وظيفية خدمة لمصالحه الاستراتيجية في الوطن العربي، وللتخلص من المسألة اليهودية، ونقلها الى العالم العربي، وخاصة الى فلسطين، وعلى أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في 1948.
مع ذلك شهد الخطابين بونا شاسعا في الحضور، حيث شهد الخطاب الأول تهريجا وابتذالا من قبل أعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ بالمسرحية الرخيصة بالتصفيق نحو 53 مرة، الظاهرة المرضية والمعيبة في أوساط الهيئات التشريعية الأميركية، مقابل فتات المال من المنظمات الصهيونية، والخطاب الثاني امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال79 يوم الخميس 27 أيلول / سبتمبر الماضي، الذي شهد افتراقا كبيرا عن الأول، مع الإعلان عن القائه الخطاب غادر عشرات الوفود القاعة الأممية الأهم في العالم، وباتت القاعة شبه خالية، ومن بقي منهم، اما شريكا لإسرائيل اللقيطة والنازية في الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا على مدار عام كامل، واما خاشيا من عقوبات الولايات المتحدة الأميركية، واما واصل الجلوس من باب الفضول للاستماع للأكاذيب.
واستباقا منه ومن سفارة ومندوبية إسرائيل والمنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة لمقاطعة غالبية الوفود للقاعة، أحضروا معهم عشرات من انصارهم الصهاينة ليصفقوا له، لذر الرماد في عيونه، ولإشباع غريزته النرجسية، كونه مسكونا بالتهريج والاستعراض الطاوسي الرخيص.
جال نتنياهو، كما هي عادته، على جملة من الأكاذيب، منها، أولا حصر تاريخ الصراع بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023، متجاهلا 76 عاما من الصراع، ونكبة الشعب الفلسطيني، والحروب المتعاقبة مع الدول العربية والثورة الفلسطينية المعاصرة، وجرائم الحرب وإرهاب المنظمات الصهيونية وجيش الموت والابادة الاسرائيلي، التي ارتكبت على مدار تلك العقود، وتركت ندوبا سوداء في تاريخ العالم، وهددت السلم والامن الإقليمي والدولي حتى اللحظة الراهنة؛ ثانيا تناسى انه هو وحكوماته ال6 المتعاقبة من مول حركة حماس، وفرض على قطر مع الإدارات الأميركية المتوالية ارسال الأموال بالملايين عبر مطار اللد وبسيارات أجهزة الشباك والموساد لها، لتعميق الانقسام والانقلاب على الشرعية في قطاع غزة، ولتبديد المشروع الوطني الفلسطيني، ووأد استقلال دولة فلسطين المحتلة في 1967؛ ثالثا حرف بوصلة الصراع من خلال الادعاء بتحميل جمهورية الملالي الإيرانية المسؤولية عن ادامة الصراع، وهو يعلم مع سادته في البيت الأبيض أن الصراع سابق على وجود النظام الإيراني بعقود عدة، وأن إيران ليست أكثر من فزاعة استخدمت لخلق عدو لا علاقة له بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والخلاف بين إسرائيل وإيران مرتكز على مصالح المشروعين المتنافسين على تقاسم النفوذ في الوطن العربي، ولا علاقة له بالنضال الوطني الفلسطيني، والدعم الذي قدمته إيران لبعض أذرع المقاومة، كان لخدمة مشروعها الفارسي على حساب الوطن العربي، واستعمال القضية الفلسطينية كورقة رابحة لتعزيز نفوذها في المنطقة؛ رابعا قلب معايير الخير والشر في الصراع، وادعى انه يمثل الخير، والاخرون الشر، وهو عنوان الشر والإرهاب والجريمة المنظمة، والابادة الجماعية؛ خامسا أفترى على الحقائق، عندما هاجم محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنائية الدولية، وقال ان الجنائية الدولية تريد ان تصدر مذكرة اعتقال ضده وضد غالانت وزير الحرب والابادة في حكومته، وتنافخ مزهوا، بانه وأركان حكومتي جاؤوا بالانتخاب، وتناسى أن هتلر زعيم النازية الألمانية جاء أيضا بالانتخاب. كما انه أغفل كليا، ان شعار الحركة الصهيونية الأساس، الذي قامت، وتقوم عليه إسرائيل المذكور أنفا، وهو سابق بعقود عدة على وجود النازية الهتلرية الألمانية، كونه ارتكز على النفي والتطهير العرقي ونكبة الشعب الفلسطيني، ووضع مداميك الإبادة منذ بداية انطلاقه كمشروععنصري يقوم على الكراهية والابادة ونقيض السلام والعدالة
سادسا هاجم بشكل فظ ووقح الرئيس محمود عباس، وادعى انه يمارس الإرهاب الديبلوماسي، ويطالب بتجميد عضوية إسرائيل من الأمم المتحدة، وتناسى عامدا متعمدا، انه وحكومات إسرائيل المتعاقبة، رفضت الاعتراف بالشعب الفلسطيني ومنحه حقه بالاستقلال والحرية والسيادة على ارضه، وفقا للقرار الذي اعترفت بدولته النازية الأمم المتحدة، وهو القرار 181، قرار التقسيم الاممي الصادر في 29 تشرين ثاني نوفمبر 1947، وأغمض عينيه عن ان موشيه شاريت اول وزير خارجية لإسرائيل، وقع على وثيقة بتنفيذ القرارين الامميين 181 و194 الأخير متعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، وبالتالي من هو الإرهابي والقاتل ومجرم الحرب بكل معايير الكلمة ودلالاتها السياسية والقانونية والاخلاقية؛ سابعا أنكر بشكل وقح وفاجر الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وهو ما اوضحه الرئيس أبو مازن في خطابه، بسؤاله المجتمع الدولي من الذي اباد ما يزيد عن 41 الف شهيد و100 الف جريح وما يزيد عن 10 الاف شهيد تحت الأنقاض؟ هل ماتوا لوحدهم، ام أحدا غير جيشه ومرتزقته الذين ابادوا الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء من أبناء الشعب الفلسطيني؟ ومن الذي يعتقل في سجونه نحو 20 الف اسير فلسطيني حتى الان؟ ومن الذي دمر مئات الاف الوحدات السكنية وغيرها من معالم الحياة في قطاع غزة والضفة والقدس العاصمة الفلسطينية؟ هل دمرت بفعل زلزال مثلا، أم جيشه وجيش الولايات المتحدة واساطيلها الحربية، واساطيل حلفائها من دول الغرب الامبريالي؟
ثامنا هاجم الأمم المتحدة لإنصافها الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه الوطنية وفق ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي زادت عن الف قرار، واستنادا للفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، وبوقاحة مألوفة في الخطاب الإسرائيلي الصهيوني التاريخي، اعتبر المنظمة الأممية الأولى بانها تناصر "الإرهاب" و"الإبادة" على إسرائيل النازية، و"معادية للسامية"! اليس هذا قمة الكراهية والعنصرية والاكاذيب لدولة لا يجوز لها ان تكون عضوا في اهم منبر أممي، لأنها معادية لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ولحقوق الانسان كافة؟
لكن رئيس الائتلاف النازي الإسرائيلي نتاج الدعم والمشاركة الكاملة من قبل الإدارة الأميركية لحروبه وإرهاب دولته وجرائم ابادتها الجماعية للشعب الفلسطيني والشعب الشقيق في لبنان واليمن وسوريا وغيرها من الشعوب العربية، لا يأبه بقلب الحقائق، وممارسة البلطجة من على أهم منبر دولي، وهناك الكثير مما يمكن قوله، ولكن أكتف بما ورد، ردا على خطاب الكراهية والنازية العنصرية الإسرائيلية.