احتمالات الحرب الإقليمية و مصير غزة
الكاتب: جمال زقوت
بات من الواضح تماماً أن حكومة العدوان والفاشية الاسرائيلية تمكنت من إلحاق ضربة غير مسبوقة بقيادة حزب الله، وبقدرة الحزب في الحفاظ على رباطة الجأش والحكمة، التي تميز بها الخطاب الأخير لأمين عام الحزب الشهيد حسن نصر الله، حيث دفع حياته ثمناً لذلك، سيما اصراره على ربط وقف إطلاق النار في الشمال بوقف العدوان على غزة.
كما كان من الواضح أيضاً، أن الحزب تحت قيادة نصر الله ظل حريصاً على اقتصار استهدافه لمواقع عسكرية اسرائيلية، وفي حدود قواعد الاشتباك التي تم الحفاظ عليها طوال الأشهر الماضية، رغم استهداف معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال قائده العسكري الأول فؤاد شكر . كان ذلك من موقع حرص الحزب على عدم إعطاء أية ذريعة لتوسيع نطاق عدوانه على المناطق المأهولة بالمدنيين في محاولة من أمين عام الحزب تجنيب اللبنانيين ويلات العدوانية الاسرائيلية كما حدث علم 2006، التي طالما هددت بيروت بمصير غزة. ذلك في ظل معادلات لبنانية داخلية عارضت ورفضت اقحام لبنان في إسناد غزة التي ظلت وحيدة تواجه مصيرها أمام شهية القتل التي قادها نتانياهو، دون أن يدرك هؤلاء أن مخططات تصفية حزب الله، في سياق مخططات نتانياهو لإخضاع المنطقة والاستفراد بالشعب الفلسطيني، كانت تحتل الأولوية القصوى لنتانياهو، وأن نجاحه لكسر غزة سيُعجِّل من لحظة التفرغ لضرب قدرة الحزب وشل دوره في إسناد ليس فقط جبهة غزة، بل والتصدي لمخططات اخضاع المنطقة برمتها.
هل وقعت طهران في فخ الوعود الأمريكية
سقوط طهران في فخ الوعود الأمريكية بالعمل على إجمال اتفاق لوقف حرب الإبادة على غزة إن امتنعت عن الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وكشفت ليس فقط عدم قدرة طهران على رد مشروع لانتهاك سيادتها، بل وطبيعة أولويات طهران لجهة عدم تعكير أجواء محاولات انفتاحها على واشنطن وعواصم الغرب، دون أن تدرك أن الهدف الاستراتيجي لتل أبيب يظل دوماً توريط واشنطن في حرب إقليمية لتغييب مكانة طهران عن الصراع الدائر على مستقبل المنطقة، والذي هو بالتأكيد هدف أمريكي في سياق الاصطفاف الإيراني مع روسيا في الحرب الأوكرانية.
اغتيال نصر الله و قواعد اللعبة في الشمال
بتغييب الأمين العام ومعه ثلة من أبرز القيادات العسكرية للحزب، يقفز السؤال الأهم حول واقع ومستقبل دور الحزب ومعه محور المقاومة في المنطقة. فاستمرار الحزب في دوره بربط الجبهات وإسناد غزة يعني استمرار حرب محاولة تصفية الحزب، ويبدو أن ما يشجع اسرائيل على ذلك، يتجاوز ثغرة الاختراقات العميقة والمؤلمة دون المراجعة العاجلة لها، يتمثل في الضوء الأخضر الأمريكي الذي يعتقد أن ارتدادات الحرب على الحزب لا تعرض مكانة هاريس الانتخابية كما هي مفاعيل حرب الإبادة على غزة. فوعي الرأي العام الدولي والأمريكي، وفيما يتجاوز مسألة استهداف حماس، يتمثل في أن الحرب على غزة هي حرب إبادة تهدف لتصفية الحقوق الفلسطينية، وأن فلسطين باتت رمزا للعدالة الكونية التي تستقطب ملايين البشر دفاعاً عن قيمها المغيبة، والتي تدوسها آلة حرب نتانياهو الأمريكية. أما إذا اختار الحزب التراجع عن إسناد غزة، فهذا سيعني الإنتحار السياسي لمجمل منظومة محور المقاومة، بل أكثر من ذلك أن مثل هذا التراجع سيشجع جيش الاحتلال على المضي بمخططاته وليس العكس .
هنا تكمن المعضلة، والتي جوهرها أين ستقف طهران، وهي تدرك أن حرب محاولة تصفية قدرات الحزب العسكرية، ستُضَيِّق من مجال مناوراتها التفاوضية مع واشنطن، و أن ترك اسرائيل تواصل إنجاز المهمة لن يجعلها في مأمن عن العدوانية الاسرائيلية المتوحشة .
مصير غزة
في كل الأحوال تظل غزة في عين العاصفة، والتي من وجهة نظر نتنياهو، فإن كسرها الكامل يشكل مفتاح دومينو تصفية القضية الفلسطينية، دون إغفال أن اخضاع المنطقة يساعده على الاستفراد بغزة لتحقيق هذه التصفية، وعنوانها السيطرة على كامل الضفة الغربية وضمها. سؤال المليون هو طالما أن الهدف الاسرائيلي الجوهري يتمثل بتصفية القضية الفلسطينية، فإلى متى ستظل الحالة الفلسطينية ممزقة، ويلهث المهيمنون على قرارها السياسي وراء وهم التسوية، في وقت أن نتنياهو مستمر في لعبة القضاء على إمكانية تحقيقها، وليس فقط على بُنى المقاومة. إن الطريق الآمن الوحيد لامكانية افشال مخططات نتنياهو تلك تتطلب الإسراع في بناء قيادة وطنية موحدة تدير الصراع تحت راية منظمة التحرير كجبهة وطنية متحدة، وتعمل على إنجاز أولويات القدرة على البقاء والصمود من خلال حكومة وفاق وطني، وعدم الانجرار لأي أفخاخ لما يسمى بالتوافق على إدارة غزة، فمثل هذه الأفخاخ هي ما يسعى إليه نتنياهو للقضاء على الكيانية الوطنية الموحدة، وتعبيراتها التمثيلية الجامعة. فالمنطق يقول إذا كان هناك إمكانية للتوافق حتى لو كان انتقالياً على إدارة غزة، فما الذي يمنعها من التوافق على حكومة وطنية ؟!
وأخيراً؛ ألم يحن الأوان لوحدة كافة الأطراف والحراكات والمبادرات والشخصيات الوطنية الوازنة التي تسعى وتطالب بتغيير هذا الواقع؟ هذه أولوية عليا لا تحتمل التردد، فعجزها عن التوافق بين مجمل أطرافها يضعها أمام مسؤولية تاريخيّة، ربما لا تقل عن مسؤولية الآخرين في هذا المنعطف الذي يقع بين إمكانية التحرر أو السقوط في نكبة ثانية.