الجيران بين الأمس واليوم
الكاتب: صلاح هنية
الجيران تاريخياً لا يختلفون مطلقاً عن بيت العائلة بعلاقات متينة وتقاسم للهم وتقاسم للفرح، كان الجيران كبعضهم البعض لا يوجد فروق فلكية، صباحا الجار يتفقد جاره ومساء تبدأ المناداة على الأولاد ليعودوا الى البيت وينهوا ألعاب الكرة والبنانير والسبع حجار.
الجيران يساوي الاهتمام والتضامن وحب الخير لبعضهم البعض. لفترة ما هذه الأيام خفتت تلك الحالة نتيجة لتغير نمط السكن، بحيث بتنا نعيش في عمارات والكل يعتقد أن الخصوصية المفرطة تقود الى السلامة التامة، وهذه المحاذير زمان كانت غائبة وغير حاضرة بل تعتبر تعميق العلاقة أمراً ايجابياً.
كلما جالست الناس هذه الأيام يبدأ الحديث عن نمط الجيرة السابقة، وتبدأ سلسلة من الذكريات.. دار فلان ودار علان لما كنا نخرج معا ونلتقي في بيت فلان، وابنهم كان متفوقاً في المدرسة، لكن اخاه الأصغر لم يكن يساويه علمياً، وكيف كان من يحضر الكرة معه الى الحارة يصبح ملك الملعب ويسمح له باللعب طوال الوقت ولا يحسب وقته بالثانية.
وحكاية الدراجات الهوائية في الحارات زمان قصة يطول شرحها في رام الله، كان هناك محلان مختصان بتأجير (البسكليتات) مع لائحة توصية كيف نحرص عليها ونذهب مثل سرعة الرياح لنستغل الوقت المتاح لنا ضمن الأجرة التي دفعناها سلفاً، وخطة تقاسم الوقت مع الأصدقاء أبناء الحارة، ولا زلنا نمر من أمام صاحب محل تأجير البسكليتات الصامد لليوم (أطال الله في عمره) وللصدفة التقيته قبل فترة طويلة نوعا ما وفجأة قلت له: انت حامد تاع البسكليتات، فوراً أجاب: طبعا بعرفك بس والله ذاكرتك ممتازة. وتحدثنا وتعرفنا على ابنه الذي يدير محل دواجن، وحدثته عن علاقتنا بوالده، ونبهه والده ان "جارنا مسؤول حماية المستهلك خليك سالك" مبتسماً ممازحاً.
كان الجيران في الحارة يتحركون على إشارة مثل المنبه الأولى ( موزع الكاز ) الذي ينادي على ( كاز كاز كاز ) فيطلب من اصغر أفراد العائلة للقيام بمهمة استدعاء ( ابو العبد ) ويقوم بملء وعاءه بالكاز وإيصاله على التنك الموجود في المنزل ويغادر وهو يحمد الله على الرزق، والمنبه الآخر بياع ( الحاملة ) وتلك حكاية أخرى حيث تمر العربة يدفعها رجلان ( رحمهما الله ) ويتم التراكض للشراء خصوصا عندما تكون ساخنة من بيت النار.
أما البوظة الأسكيمو فحكايتها حكاية. قبل سنوات مضت كنت أنا وصديقي باستقبال صديقنا القديم ( فاروق ) القادم من الولايات المتحدة الأميركية وتبادلنا الحديث، فاذا بابن الصديق يطلب ( ايس كريم ) فخاطبه فاروق : صحة وعافية يا عمي، كنا واحنا بعمرك يحضر بائع الاسكيمو فنذهب لنشتري نصف حبة ونتعارك من يحصل على النصف الذي فيه العود.
مكتبة بلدية رام الله العامة كان لها دور مهم في تكويننا، كنا نذهب هناك لنقرأ أو نبحث عن صفحتين من الموسوعة لنلخص ونقدمها لأستاذنا في المدرسة، وتطورت الحكاية صوب نشاطات مسرحية والعمل التطوعي والاستماع لمتحدث أكاديمي عن مواضيع تعيننا في دراستنا وحياتنا اليومية.
في موضوع الجيران المقارنة ظالمة بين أمس واليوم، خصوصا أن نمط السكن اختلف، نموذج الحارة تغير فاليوم هناك أولويات مختلفة، اليوم قد يجمع جار عشرة كلاب أمام منزله على الشارع الذي يمر عبره سكان الحارة ليرعاها على حساب راحة السكان المجاورين، وتلحق جارة أخرى ولكنها ترفق بالكلاب في ساحة بيت الجيران ظناً منهم أنهم الرفق بالحيوان. اليوم يلقي احدهم نفايات مخلفات منزله في الارض الفارغة المجاورة، ومن ثم يتنطّح ليقيم أعمال جمع النفايات في المدينة رغم شهادة كل الجيران أنه المسبب.
لا تقارنوا موضوع الجيران بين اليوم والأمس، لن تخرجوا بنتيجة. فقط قدروا لقاء الجيران القدامى مع بعضهم البعض وكيف يستعيدون شريط الذكريات، وهناك الكثير الكثير مما يتذكرونه.. فقد عاشوه بإيجابياته.