تعزيز الصمود في القدس يحتاج الى وحدة المرجعية والكلمة
الكاتب: أحمد صيام
قرابة ثلاثة عقود مضت على نشر الخطة القطاعية الخاصة بمدينة القدس لاجل انعاش المدينة وتعزيز صمود المقدسيين ، والتي كان اول من بادر اليها الراحل الشهيد أمير القدس فيصل الحسيني ، وجرى تطويرها من بعد رحيله حسب المعطيات المستجدة مرات عدة ، ولكن حتى اللحظة لم تؤت ثمارها ، ولم يشعر اي مقدسي بفضائلها ، مع العلم ان اموال طائلة صرفت سابقا ، او كان من المفترض ان تصرف في القدس ، وهناك مقولة مأثورة عن القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات ، والذي كان جل همه القدس وأهلها المرابطين وإصراره على دعمهم ، وهي " انا اشتريت القدس خمسين مرة " وبالرغم من ذلك الا ان القدس ما زالت تكابد وتصرخ وتستصرخ ولكن لا حياة لمن تنادي .
ورشات عمل ، ندوات ، مؤتمرات محلية وعربية ودولية ، متعددة عقدت خلال السنوات الماضية ، كانت عبارة عن اجتهاد فلسطيني ، في أغلبه مؤسساتي شعبي جماهيري ، لاستقطاب مستثمرين عرب وأجانب ، وجمع أموال لانعاش الوضع المتردي بكافة مجالاته وكسر الحصار المطبق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الاسرائيلي على المدينة المقدسة ، والتخفيف من حدة المعاناة التي يكابدها المقدسيين ولو بالحد الادنى ، ولكن ايضا دون نتائج تذكر تنعكس ايجابا على الوضع المقدسي العربي المتهالك والذي بات يصارع وحيدا في مواجهة السخاء الاسرائيلي المدعوم من شتى بقاع الارض لاجل تنفيذ الحلم الصهيوني بتهويد القدس والاعلان بشكل قطعي عن اورشليم العظيمة عاصمة ابدية لليهود .
مؤسسات كثيرة ولجان اكثر ومؤسسات متخصصة انشئت على امتداد العالمين العربي والاسلامي ، وهناك ما انشىء في الاطار المحلي بمبادرات محلية للتواصل والعالم ، لدعم القدس لطالما خرجت عنها تصريحات رنانة تؤكد على عروبة واسلامية المدينة وتمجيد باهلها واستبسالهم في الدفاع عنها ، وصدرت عنها قرارت مليونية في حروفها وارقامها ، تؤكد على المسؤولية العربية والإسلامية الجماعية تجاه القدس ، ودعوات صريحة لجميع الدول والمنظمات والصناديق العربية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني ، إلى ترجمة الدعم السياسي إلى تدخلات عملية تشمل توفير الدعم والتمويل اللازم للمدينة لانقاذها وحماية مقدساتها وتعزيزصمود أهلها ومؤسساتها ، في مواجهة الخطط والممارسات الإسرائيلية في التهويد والتهجير، والبحث عن آليات عملية لتحقيق الاهداف المرجوة ، ولكن على ارض الواقع لم يكن هناك شيء يذكر حتى اللحظة .
في ضوء ما سبق ، وأمام الهجمة الاسرائيلية المستعرة على مدينة القدس ، يتبادر الى الذهن تساؤلات عدة : كيف من الممكن ان نحافظ على الهوية الفلسطينية العربية في القدس ؟ لماذا تصم الاذان العربية والاسلامية عن الصرخات المقدسية والفلسطينية لانقاذ القدس ؟ هل القدس اولوية في الاجندات العربية والاسلامية ؟ هل هناك ما يمنع من ضخ الاموال والاستثمار في القدس ؟ هل حقا وصلت ملايين للقدس ولكن لم تُعرف وجهات صرفها ؟ وربما هناك تساؤلات اخرى ، والاجابة على ما سبق من الاسئلة ، من كل بد سيخرج عنه الغث من السمين.
بداية يجب ان يدرك كل فلسطيني وكل عربي ومسلم ومسيحي ان دعم القدس وتعزيز صمود المرابطين فيها واجب ديني وضرورة إنسانية ووطنية لا بد من أدائها ، وهي بامس بحاجة إلى أمتيها العربية والإسلامية ، وإلى من يشد إليها الرحال لكي يشارك أهلها رباطهم المقدس ، ما سيمنحهم مزيد من القوة والثبات ويضاعف من عزيمتهم في التصدي للمخططات الصهيونية ، ومن هنا تاتي اهمية الاستثمار في الانسان المقدسي كرافعة اساسية في النهوض بعملية التنمية للمجتمع برمته وتمكينه من الصمود ، خاصة وان المعركة المحتدمة في القدس وعليها لم تبدأ فقط يوم احتلالها عام 1967 ، بل قبل ذلك بعقود عدة ، وباتت الان وفي ظل شح الدعم ان لم يكن انقطاعه في خطر شديد وعلى شفى من الانهيار، وتحتاج الى فعل حقيقي لتعزيز صمودها وليس فقط شعارات ودعوات .
ولاجل استقطاب حقيقي ووضع العالمين العربي والاسلامي امام مسؤولياتهما تجاه القدس ، هناك دور فلسطيني لا بد لبعث الثقة " المهتزة " في نفس الداعم العربي ، وهي الذريعة التي يختبىء خلفها الداعم العربي ، والشماعة التي يعلق عليها تخاذله ، وتبيان ان ما يمنحه الاربعة عشرمليون يهودي في العالم يفوق بكثير ما يقدمه اكثر من مليار عربي ومسلم ، لذا هناك ما يجب معالجته على الفور، وعلى رأسه وجود عنوان واضح صادق ، ووطني ومخلص ويعرف كل صغيرة وكبيرة في القدس ، يكون قادرا على بعث الثقة في نفس كل عربي ومسلم للتبرع لاجل القدس وجعله مطمئنا ان امواله ستذهب الى مستحقيها ولصالح القدس واهلها ومقدساتها ، وتبني استراتيجية وطنية مبنية على ما حققه المقدسيون من انجازات خلال تصديهم لمخططات الاحتلال الاسرائيلي وصمودهم المستمرعلى مر العقود الماضية ، وفي الوقت نفسه تعزز من عملية ربط المواطن المقدسي بقضيته الوطنية وتستجيب لاحتياجاته بما يخدم مشاريع مدروسة تهدف الى تعزيز صمود المقدسيين ومؤسساتهم على اختلاف وظائفها ، تتضمن رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وخطط عملية مدعومة مالياً لمواجهة سياسة التهويد والضم ، ومن هنا تاتي اهمية توحيد الصف الفلسطيني اولا والقضاء على حالة التيه التي يعيشها المقدسي ، في التأكيد على توحيد المرجعيات في مدينة القدس تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، والوطن المعنوي لكافة ابناء الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ، وهو ما يدعو الى اعادة ملف القدس الى المنظمة كما كان في عهد الراحل فيصل الحسيني ، وازالة كل ما يتعارض مع ذلك وتوسيع نطاق العمل ليسع جميع الجهات الفاعلة والناشطة في المدينة المقدسة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية .
حينها يمكن الانتقال الى العمل على تشكيل جبهة عربية مساندة من خلال استراتيجية عربية اسلامية فلسطينية مشتركة ، عنوانها الصريح هو" القدس اولا وتستحق " اذ لا يجوز للعالمين العربي والاسلامي ترك المقدسيين خاصة وعموم ابناء الشعب الفلسطيني ، وحيدين في معركة مواجهة مخططات الاحتلال التي لا تقف عند حدود فلسطين انما تهدد الامن القومي العربي ، وهنا تبرز اهمية الاستثمار في المواطن المقدسي والفلسطيني عامة ، كخط دفاع اول عن الامة العربية ، والتوافق على برنامج مشترك للتصدي للمشروع التلمودي الصهيوامريكي بكل تجلياته ، فالتهديد والخطر وجودي في جوهره ونتائجه لا تحتمل المغامرة أو المقامرة او التراخي او التآمر او التربص للاخر لان تداعياته ستطال الكل دون استثناء .