تسعى أمريكا للبقاء في القمة وتسعى إسرائيل لتركيع الإقليم
الكاتب: د. محمد عودة
إن من يتابع السياسة الأمريكية في التعامل مع العدوان على الشعب الفلسطيني والاستماته في الدفاع عن إسرائيل وحمايتها سواء بشكل مباشرعبر حشد القوات بكل أنواعها أو تزويد الكيان بالذخائر الأكثر تطوراً وفتكاً أو من خلال منع الهيئات الدولية من معاقبتها يستطيع الخلوص إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية رغم التزامها بحماية إسرائيل إلا أنها تخوض حرب أمريكا لضمان الاستمرار في قيادة العالم من خلال مواجهة تحديين رئيسيين الأول تحدي داخلي مرتبط بالانتخابات الرئاسية حيث أن فوز دونالد ترامب ربما يفضي الى تفكك بعض الولايات خاصة الغنية منها، أما في حال خسارته للانتخابات قد يجر الولايات المتحدة إلى موجة من العنف قد تنزلق باتجاه الحرب الأهلية أمّا التحدي الخارجي وهو الخشية من تضاؤل دورها العالمي عبر بروز خصوم جديين مثل البريكس.
في هذا السياق حذر الملياردير والخبير الاقتصادي الأمريكي روبرت كيوساكي أوائل شهر أيار من العام الحالي من انهيار اقتصادي شامل ستظهر تداعياته في الفترة المقبلة، كما حذر من أن عملة تكتل بريكس الرقمية المدعومة بالذهب حال صدورها ستشكل تهديداً لعرش الدولار الأميركي في المعاملات الدولية وربما تطيح به.
وأضاف كيوساكي إذا صدرت عملة بريكس المدعومة بالذهب فإن تريليونات من الأموال المزيفة ستختفي، وستعود تريليونات الدولارات الأميركية مسرعة إلى موطنها في أميركا، ما يتسبب في تضخم مفرط في البلاد وهذا في النهاية سيؤدي حتماً إلى انهيار الدولار الذي يعتبر العامل الأهم في هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم. وللتدليل على صدق التنبؤ نشر البنك الدولي احصائيات حيث أشار إلى أن انخفاض غير مسبوق على حصة الدولار من احتياط النقد الأجنبي ليلامس 50% بدل 70%قبل عقدين.
كل هذا حصل دون وجود صراع جدي على مكانة الدولار، فلو افترضنا أن دول البريكس ستطرح عملتها للتداول خلال المستقبل القريب فإن ذلك إن لم ينهي الدولار سيجبره على التعايش مع العملة الجديدة. وهذا سيضع قيادة أمريكا للعالم على المحك.
أمّا إسرائيل فهي الأخرى تواجه تحديات عدة، التحدي الأول تحدٍ داخلي مرتبط بالصراعات غير المسبوقة بين مكونات المجتمع الإسرائيلي والتي لا ترتبط بالصراع العربي الإسرائيلي أصلاً، فمنذ ما يقارب السنتين تشهد شوارع إسرائيل حراك احتجاجي تقوم به نسبة عالية من الجمهور ضد الحكومة مرتبط بعدة عوامل وأولها الانقلاب القضائي. أمّا بعد السابع من أكتوبر برز عاملين جديدين إضافيين، الأول كيفية تعامل الحكومة مع موضوع المختطفين والثاني فكرة تجنيد الحريديم.
أمّا التحدي الخارجي فهو مرتبط بتحولات كبيرة في المواقف الدولية من الحرب ومن طريقة إدارة الحرب يضاف إليه أن إسرائيل غير قادرة على تحمل هزيمة، فهي انتصرت في غالبية معاركها والمعارك التي لم تنتصر فيها كانت بأقل الخسائر، أمّا حرب الإبادة الحالية فقد برهنت على عدم قدرة إسرائيل على الردع أولا ولا على الحسم ثانياً.
إن استمرار العدوان لكل هذه المدة برهن على قضيتين أساسيتين الأولى أن جيش إسرائيل قابل للقهر والثانية أن إسرائيل تحتاج الحماية الأمريكية الغربية وبالتالي لم تعد الدولة التي يُعتمد عليها لتطويع المنطقة مضاف إلى كل ما سبق خشية الدولة العميقة في المنظومة الاستعمارية من انهيار جدي للكيان وهذا يتقاطع مع مخاوف الكيان نفسه الذي يؤمن بنبوءات توراتية أو كما كتب المؤرخ رون بونداك قبل أكثر من ربع قرن وقد أعادت صحيفة هآرتس نشر ما كتبه عام 1999 حيث تخيل بونداك أنه يستيقظ ذات صباح من عام 2025 على وقع سؤال ظل راوده طويلاً والسؤال ألم يحن الوقت لأجمع ما تبقى لي من متاع قبل الفرار؟
ولم يكن هذا السؤال يدور في خُلده من فراغ فقد تخيل في مقاله في هآرتس أن الأوضاع في إسرائيل تدهورت بشدة حتى أن "معظم أصدقائه غادروا البلاد، حسب تعبيره، والمغادرة تبدأ عادة عندما يهاجر الأبناء والأحفاد، فبعض منهم هاجر إلى أوروبا، ومعظمهم إلى الولايات المتحدة، وآخرون إلى مناطق أبعد من ذلك مثل شرق آسيا.
عبر التاريخ خاضت الأمم حروبها الكبيرة لتعيد رسم خارطة النفوذ فبعد الحرب العالمية الأولى تقاسم الحلفاء كعكة الانتصار في مؤتمر سان ريمو أوائل 1920، أمّا الحلفاء في الحرب العالمية الثانية فقد اضطروا ليتقاسموها الكعكة مع الاتحاد السوفياتي وانتجت القسمة تقاسم في الأدوار بين المعسكر الاشتراكي الذي قاده حلف وارسو والمعسكر الامبريالي الذي قاده حلف الناتو.
فهل ستشكل الحرب بين روسيا والناتو من جهة والعدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني واحتدام الصراعات في إفريقيا وآسيا إضافة إلى طبول الحرب الإقليمية التي تُقرع بديلاً عن الحرب العالمية الثالثة؟ إن كانت كذلك فبعد أن تضع الحرب الروسية الأوكرانية أوزارها ويتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني سيكون هناك كعكة تُقسم وفي هذه الحالة أي دور سيكون للولايات المتحدة وإسرائيل؟ وماذا عن فلسطين؟ هل ستكون حاضرة وهل استثمرت القيادة الفلسطينية التعاطف والتأييد الدوليين ووضعت البرامج والخطط الاستراتيجية التي تحول دون ضياع القضية مائة عام أخرى وتسهم في إنصاف شعب عانى ودفع أثمان باهظة عبر تمكينه من تقرير مصيره؟