خطايا ناصر تعمقت
الكاتب: عمر حلمي الغول
نايت بنفسي عن خطيئة الدكتور ناصر القدوة، عندما قرر إدارة الظهر لحركته الام "فتح"، وشكل مع آخرين تجمعا مع شخصيات فلسطينية مختلفة، بهدف النزول للانتخابات في أيار / مايو 2021، التي تم تأجيلها نتاج رفض إسرائيل منع اجراء الانتخابات في القدس العاصمة الأبدية. وتلا ذلك، وقوعه في مطب سياسي وقانوني واجتماعي، عندما صرح اثناء وجوده في قطاع غزة، بأن "الديمقراطية قائمة في القطاع"، متنكرا للحقائق الدامغة عن طبيعة وجوهر انقلاب حركة حماس، الذي يتناقض مع ألف باء الدمقراطية، لا بل هو معادي لها، ومنقلب عليها، وهو العارف جيدا بأبعاد وخطايا الانقلاب المدمر لنسيج الشعب الوطني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ثم البحث عن دور ما مع قوى مختلفة، والقيام بجولات على عدد من الدول العربية لتسويق نفسه، لعله يجد حاضنة لخياره. لكن محاولاته باءت بالفشل.
أخيرا افترض القدوة، انه من خلال الاتفاق مع إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على تقديم مقترح مشترك لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في 17 تموز / يوليو الماضي، سيسلط الضوء على مكانته السياسية، ويمنحه الفرصة لاستعادة حضوره في المشهد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والدولي، ولإعطاء خطوته فاقدة الاهلية والمكانة والدور الذي أراده، عقد لقاءً مع شخصيات أوروبية، منها جوزيب بوريل ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية والأمنية في مطلع أيلول / سبتمبر الحالي، وأرفقها بلقاءات مع بعض وسائل الاعلام الأميركية والعربية، مثل CNN والمشهد يومي 8 و9 أيلول / سبتمبر الحالي لإضفاء المزيد من حضوره البائس، ولترويج بضاعته البائرة مع أولمرت.
والسقطة الأخيرة للدكتور ناصر، أملت عليّ التوقف أمام خيبات الرجل، الذي كنت أكن له الاحترام والتقدير. لأنه تجاوز بخطيئته الأخيرة كل المعايير الوطنية، وأضاع من بين يديه فرص عديدة للعودة لحاضنته الوطنية الأهم، حركة فتح، رائدة المشروع الوطني، ووضع نفسه بقراره الأخير، في موقع لا يليق بتاريخه، وتجربته الإيجابية اثناء وجوده في صفوف حركته الام.
ومن الآثام الخطيرة، التي حملها مقترحه مع أولمرت، أولا انه أبرم الاتفاق في لجة الموت والابادة لشعبه العربي الفلسطيني للشهر ال12 من الحرب الإسرائيلية الأميركية المجنونة؛ ثانيا مع إيغال حكومة الائتلاف النازي الإسرائيلي في الدم الفلسطيني، ورفضه من حيث المبدأ وجود أي كيانية فلسطينية بين البحر والنهر، وفق قرارات الكنيست الإسرائيلي، والمواقف المعلنة لنتنياهو وأقرانه سموتيريش وبن غفير لمواصلة حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني في عموم الوطن الفلسطيني، والعمل على تعميق وتوسيع عملية التطهير العرقي والتهجير القسري لأبناء الشعب عموما، وليس في قطاع غزة فقط؛ ثالثا التنازل المجاني عن السيادة على الحوض المقدس، والاستعاضة عن ذلك، بتولي 5 دول لم يسمها للولاية على الحوض المقدس، كما تخلى عن الاحياء اليهودية مجانا لإسرائيل، مع أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 19 تموز / يوليو الماضي، أقرت بأن الاحتلال الإسرائيلي ومستعمراته باطلة، وعليه الانسحاب من كل الأرض الفلسطينية، والتعويض على الفلسطينيين عن خسائرهم؛ رابعا التنازل عن 4,4% من الأرض الفلسطينية، مقابل التبادل بالمساحة، وليس بالقيمة والمساحة. في حين ان ما كان مطروحا في أحسن الأحوال، التبادل بنسبة لا تزيد عن 1,8% من المساحة؛ خامسا ترك ملف المستعمرات الإسرائيلية دون حل؛ سادسا لم يتطرق اقتراحه مع أولمرت لملف العودة واللاجئين الفلسطينيين من قريب أو بعيد؛ سابعا أيضا تضمن الاقتراح المشؤوم فصل قطاع غزة عن الضفة خلال المرحلة الانتقالية، وتسليم إدارة القطاع ل"مفوضين مدنيين" وقوة أمنية عربية مؤقتة، حتى تصفية أذرع المقاومة، وتجريد القطاع من السلاح، استكمالا للإبادة الجماعية، وحيث فشلت إسرائيل في حربها الفظيعة والمروعة طيلة الشهور ال12 الماضية من تحقيق هدفها هذا.
وادعى وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق في حديث مع صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية إن "الوضع الفلسطيني سيتغير بعد الحرب، وحماس لن تكون جزءً منه، ونحن يمكننا أن نضعف الحركة." وفي تساوق معيب بحقه، شّدد على أن "لإسرائيل مطالب أمنية يجب معالجتها، ولا أخشى تهمة التعاون مع إسرائيل." وكأن لسان حال د ناصر يقول "إن لم تستح فافعل ما شئت!"
والسؤال هنا لفاقد المكانة السياسية والأهلية، أين المصالح الامنية الفلسطينية والسياسية والديمغرافية؟ وأين هي الدولة الفلسطينية التي تتحدث عنها، والتي ترفضها إسرائيل من حيث المبدأ؟ ومن هم "المفوضون المدنيون"؟ هل هم روابط قرى جديدة، أم ما هي صفتهم، ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية والاعتبارية؟ وما هي مكانة أولمرت في أوساط النخب السياسية الإسرائيلية؟ وعلى ماذا يمون داخل الشارع الإسرائيلي؟ وهل يملك القوة والقدرة على تطبيق الاقتراح الهزيل والتافه والبعيد كل البعد عن المصالح الوطنية؟ وهل أنت شخصيا مؤهل للعب هكذا دور؟ وما هو رصيدك في الشارع الفلسطيني، وانت البعيد كل البعيد كل البعد عن نبض الشارع؟
أدعوك من موقع الناصح، ان تعود لرشدك، وتعتذر للشعب وللقيادة الفلسطينية وللنخب السياسية والثقافية والأكاديمية عن سقطتك المميتة، وخطيئتك الابشع والاسوأ، وتتراجع عنها قبل فوات الأوان. لان ذلك يمكن ان يغفر لك بعض الشيء إن شئت ان تكون فاعلا في أوساط النخب السياسية ذات يوم، إن كان في العمر بقية.