هل ستنجو "اسرائيل" من الطوفان ؟
الكاتب: أحمد صيام
هل ستنجو دولة الكيان من الطوفان ؟ قد يثير هذا التساؤل حفيظة البعض من بني البشر !! اولهما الداعمين للكيان ، والاخر المتلهفين لرؤية الطوفان يجرف هذا الكيان ولا يجد من يساعده على النجاة !! وقد يثير ايضا الشفقة لدى من ساهم في انشائه وبناء عظمته وعزز من جبروته على مر العقود الماضية ، الى درجة التمرد على كافة الاعراف والقوانين وصولا الى وسمها بدولة مارقة دون وعي ان لكل بداية نهاية وقد تكون مأساوية وكارثية وغير متوقعة ، الى ان وصلت لحال حوصرت فيه وسقط القناع عن وجهها المخادع !!
لا يغرنك عزيزي القارىء ما تقراه او تسمعه او تشاهده في وسائل الاعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي عن اكتساحات في محاور القتال بقطاع غزة والضفة الغربية ، وما يحاول ساسة الكيان اظهاره عن نصر بانتظارهم واقتراب تحقيق اهداف العدوان الذي يوشك ان يتم عامه الاول ، في انحاء دولة فلسطين المحتلة ، فدولة الكيان مأزومة والوهن بدأ ينخر جسدها الاخذ بالتهاوي جراء استنزاف يحيط بها من كل جانب ، فلولا الدعم الامريكي الامحدود والغياب الرسمي العربي الامحدود ، لكانت قد سقطت .
في الوقت نفسه ، لا أذيع سرا ان قلت ان المقاومة في وضع صعب ، وتكاد تنهك من همجية العدوان الذي تتعرض له الاراضي الفلسطينية المحتلة ، وويلاته التي انسحبت على ابناء الشعب الفلسطيني ، خاصة في قطاع غزة والذي بات غير قابل للعيش ، وما تبعه من عدوان مماثل في جنين وطولكرم وطوباس ، ومستمر حتى يومنا هذا ، لكنها – المقاومة – ما زلت صامدة وترفض الاستسلام ولم تستطع دولة الكيان بكل ما تملك من اسلحة فتاكة حديثة وامدادات من كل صوب وحدب ان تنال من عزيمتها واصرارها ، وما التصعيد الذي يجري في الضفة الغربية الا وقود يشعل النيران من حول الاسرائيليين في مناطقهم التي كانوا يظنون انها آمنة ، فإذا بها بمرمى نيران ما يطلق على نفسه " محور المقاومة " والذي يضم الى جانب المقاومة الفلسطينية حزب الله اللبناني وسوريا وايران ، وهو ما حذر منه المستوى العسكري الاسرائيلي وجرى نقله للمستوى السياسي ، بأن بن غفير وسموتريتش سيكونان السبب المباشر لتفشي العمليات خارج الضفة ، ويحاولان إشعال حرب - يأجوج ومأجوج - وما أن يستمر الوضع على هذا النحو فالبلاد على حافة انفجار كبير، وما عبر عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك بغضب : "ان دولته يقودها الان اضعف قيادة تأخذنا للزوال " داعيا الى ضرورة اجراء انتخابات سريعة والا فان الدولة ستبقى على حافة الانهيار وهذه الحكومة - اي حكومة نتنياهو- لم تستطع تحقيق اي هدف من اهدافها و تخلت عن المحتجزين لدى المقاومة في غزة ، وبوجود نتنياهو لن تكون هناك صفقة ، حيث ان وقف الحرب يعني رحيل نتنياهو وحكومته فوراً وهذه دوافعه لرفض اي صفقة مهما كانت بنودها .
وبالعودة الى التساؤل الذي يتداوله الكثير من رجالات السياسة وسبقهم الى حد كبير في ذلك رجال الدين - الذين ينظرون الى نهاية " اسرائيل " بأنه أمر حتمي لا مفر منه - هل ستنجو دولة الكيان من الطوفان ولكن اي منهما ؟ هل هو طوفان الاقصى الذي انفجر في السابع من تشرين اول ( اكتوبر) الماضي وكشف حقيقة هذه الدولة ومدى القوة التي تمتلكها ، والتي لولا ما حصلت علية من دعم عسكري من حلفائها وخاصة الولايات المتحدة الامريكية لدكتها هزيمة نكراء وانفض من حولها ساكنيها ، بصرف النظرعن التباين في وجهات النظر الى عملية طوفان الاقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ، حيث هناك من ينظر اليها كعملية نوعية فريدة في الصراع المحتدم منذ اكثر من 76 عاما وحطمت اسطورة الجيش الذي كان لا يقهر وكسرت عنجهيته وغطرسته وافقدتها قوة الردع ، واستطاعت لفت الانتباه من جديد الى ما يكابده الفلسطينييون من ويلات الاحتلال واجراءاته التعسفية المخالفة لكافة الاعراف والقوانين الدولية والربانية ، ورفعت من حدة الاصوات الداعية الى محاسبة دولة الكيان على جرائمها بحق البشر والحجر في فلسطين .
وهناك من رأى في هذه العملية بانه فخ اسرائيلي الهدف منه استدراج حركة حماس الى المصيدة للقضاء على المقاومة ، وتفريغ القطاع من السكان ، واعادة السيطرة عليه بما يضمن الاستيلاء على ثرواته خاصة الغاز، وتمريرالمخططات التهويدية لعموم اراضي دولة فلسطين المحتلة والتمكن منها ، ومن ثم الانتقال الى ما بعد الحدود الفلسطينية نحو خطوات تحقيق الاحلام بمملكة اليهود العظمى ، والقضاء على الاحلام الفلسطينية بالحرية والاستقلال ، ومن ضمن اهداف هذا الفخ الذي حاكه نتنياهو باقتدار حسبما يرى بعض المحللين ، ايهام الاسرائيليين في ارجاء البلاد بتهديدات فقدان الامن وصرف انظارهم عن الاستمرار بالاحتجاجات الممتدة لفترة زمنية طويلة ما قبل طوفان الاقصى ، ضد حكومة اليمين المتطرف التي تقود الدولة بقيادة الثالوث ( نتنياهو ، بن غفير وسموتريتش ) والتي انقلبت على الديموقراطية باقرارها تعديلات قضائية قوضت سلطة المحكمة العليا وحدت من العدالة التي كانت تتمتع بها الدولة والقوانين التي كانت تضمن ما كان السكان يتمتع به من عدالة سياسية وحزبية واجتماعية .
ولكن جرت الرياح حتى اللحظة بما لا تشتهي سفينة الثالوث اليميني الحاكم في دولة الكيان ، حيث فشل أمني في التنبؤ بعملية طوفان الاقصى ، تبعه فشل عسكري حتى اللحظة في الوصول الى المقاومة والتمكن منها وانقاذ المحتجزين ، رغم استخدام كافة الوسائل الوحشية واستهداف المدنيين العزل من مسنين ونساء واطفال وبنية تحتية ، وما تبعه من اجراءات تعسفية بحق الضفة الغربية والقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية على رأسها المسجد الاقصى المبارك ، واعمال القتل والتخريب والتدمير بالجملة ، ما دفع بعدد من حكماء بني صهيون الى التحذير من نهاية ما اسموه الحلم الصهيوني جراء ممارسات هذه الحكومة غير المسؤولة ، كما جاء على لسان رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) الأسبق تامير باردو، موضحا ان دولته التي أصبحت على مر السنين حليفا مهما للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ، باتت تتجاهل تحذيرات حلفائها الذين يحاولون أن يوضّحوا للحكومة أن مسارعملها الحالي ، سيؤدي إلى نهاية الدولة .
من دون شك ان المشهد الاسرائيلي في حالة من الفوضى والارتباك ، فمن ناحية تصعيد في اعمال الاحتجاجات على سياسة حكومة نتنياهو اليمينية ، وتلكؤها في ابرام صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية ، ومن ناحية اخرى التوغل بالتطرف والامعان في القتل والتدمير دون اعارة اية اهمية لاحتجاجات الشارع الاسرائيلي وتحذيرات سياسيين وعسكريين اسرائيليين سابقين ، وادارة الظهرللقوانين والاعراف الدولية والنداءات المتكررة لوقف العدوان ، بات بحاجة الى منقذ يضع حدا للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ، بحق ابناء الشعب الفلسطيني ، جرائم قد تقود اركان هذه الحكومة الى مشانق دولية ، والتي بدأت تتضح ملامحها بعد الشكوى التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا لمحكمة العدل الدولية والتي قضت بتجريم الاحتلال واصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو وبعض من اركان حربه ، الا انه ما زال يدير الظهر الى مثل هذه الاجراءات وماض في غطرسته وعنجهيته وتنفيذ اجندته الذاتية ، وقد يقحم دولته في حرب جديدة بلبنان ما سيخلط الاوراق ببعضها من شأنها ان تعمل على تغييرات في خارطة المنطقة.
بكل الاحوال دولة الكيان في مأزق ، كما المقاومة وكما الانظمة المحيطة بها ، ومن دون الخوض بالمفاهيم الدينية حول حتمية زوال اسرائيل ، الا انها بالفعل باتت مهيئة للزوال ، حيث بدأ الوهن يظهر عليها بعد فقدانها قوة الردع وماضية من فشل الى فشل امام ارادة وعزيمة وتماسك باركان المقاومة .
ولكن هل ذلك يعني الاستسلام والانتظار لوعودات الرب بخراب بيوتهم بايديهم ، ام ان هناك ما يجب عمله للخلاص من ظلم وبطش هذا الكيان المارق ؟
في اطار هذه المعطيات ، ومؤشرات السقوط السياسي والعسكري والاخلاقي لدولة الكيان ، ايدي هناك ضرورات فلسطينية وعربية للبناء على سبق واخذ زمام المبادرة ، الفلسطينيون قيادة وشعبا مطالبون برص الصفوف وتعزيز الجبهة الداخلية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الانية والذاتية ، التي دفعت الوضع الى انهيار في كافة المجالات ، ومن ثم الانتقال الى شحذ الهمم العربية واستغلال حالة الاحتقان والغضب في الشارع العربي والضغط بالتجاه استخدام اوراق الضغط العربية في دعم الموقف الفلسطيني الواحد الموحد وادراك ان الانهيار سيطال الكيانات العربية ولن تنجو من طوفان الاستسلام للاملاءات والمعطيات التي تحاول دولة الكيان وحلفائها فرضها على الامتين العربية والاسلامية .