ماهر يستحضر مشهور
الكاتب: عمر حلمي الغول
كنت من بداية الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023 توقعت حدوث تداعيات عربية وإقليمية من نتائجها، بحكم عمق الروابط والوشائج الأخوية بين الشعب الفلسطيني واشقائه من عموم الشعوب العربية والإسلامية، ولأهمية ومركزية القضية الفلسطينية لدى الاشقاء جميعا. لا سيما وان الولايات المتحدة ومعها حلفائها من الغرب الامبريالي واداتهم اللقيطة إسرائيل استباحوا القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وكل المحرمات الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني المنكوب بكوارث وفظائع ووحشية الإبادة الجماعية في عموم أراضي دولة فلسطين المحتلة، حيث مضى حتى اليوم الاثنين 338 يوما، وسقط ما يقارب 41 ألف شهيد، وما يتجاوز ال94 الف جريح. فضلا عن التدمير الهائل لمعالم الحياة كافة.
من باكورة هذه التداعيات، إضافة للمظاهرات الشعبية المتواصلة في العديد من الدول العربية والعالمية على مدار الشهور ال12 الماضية، العملية الفدائية البطولية، التي نفذها الشهيد الأردني ماهر جازي (39 عاما) على معبر الكرامة، وقتل فيها 3 إسرائيليين من رجال الامن والجمارك في المعبر، بمسدسه الذي هربه، وتم استشهاده في المعبر مباشرة صباح أمس الاحد 8 أيلول / سبتمبر الحالي.
ومما لا شك فيه، ان العملية الشجاعة للشهيد البطل ماهر، جاءت بعد أسبوع من عملية ترقوميا، التي نفذها الشهيد الفلسطيني البطل مهند العسود، وأيضا تمكن من قتل 3 رجال شرطة على حاجز ترقوميا في الخليل، التي شهدت أكثر من عملية فدائية في ذات المحافظة، وأيضا في اعقاب اجتياح محافظات الشمال ال3 (جنين وطولكرم وطوباس)، العملية العسكرية الإسرائيلية الاوسع والاكبر منذ عام 2002، مما أكد، ويؤكد وحدة وتعاضد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن عموما، وأيضا تلاحم وتكامل أبناء الشعب الأردني الشقيق وشعوب الامة العربية كافة مع اشقائهم في فلسطين، كانعكاس لوحدة الدم والمصير المشترك بين الشعوب العربية.
وبعملية الشهيد البطل ماهر، كأنه أراد استحضار الدور الريادي للفريق الركن الأردني الراحل البطل مشهور حديثة الجازي في معركة الكرامة في آذار / مارس 1968، حيث مثل آنذاك روح البطولة العربية بالدفاع والتصدي للجيش الإسرائيلي، الذي حاول تعميق وتحطيم الروح المعنوية في صفوف الجيش الأردني البطل، وسحق قوات الثورة الفلسطينية في الكرامة، واحتلال جزء من الأرض الأردنية لفرض إملاءاته على الشعب الأردني الشقيق، وخنق الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية في المهد. لكن محاولة الجنرال موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك وقواته، التي تجاوز عددها ال30 الفا من الضباط والجنود ومئات الدبابات وعشرات الطائرات الحربية والهليوكبتر باءت بالهزيمة النكراء، وتم تحطيم دباباته، والسيطرة على العديد منها، ونقل بعضها الى العاصمة الأردنية عمان. ومن نتائج معركة الكرامة الفلسطينية الأردنية العظيمة، انها شكلت رافعة هامة لكفاح الثورة الفلسطينية، وعمقت الروابط الكفاحية بين الاشقاء الفلسطينيين والاردنيين، وعززت أواصر التلاحم الاخوي بين الشعبين والجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية آنذاك.
وهنا يبرز أكثر من سؤال، هل كانت العملية مفاجأة للإسرائيليين؟ ألم يحسب الإسرائيليون حسابا لذلك؟ وهل تكشف العملية البطولية عن إفلاس أمني، أم تجاهل قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إمكانية حدوث مثل هذه العملية؟ وما هي ردود الفعل الإسرائيلية على العملية؟ وهل سيكون لها تداعيات إضافية؟
المفترض من وجهة نظري، ان لا تكون مثل العملية المتميزة والجريئة من الشهيد ماهر الجازي مفاجأة، وتفرض المعايير والحسابات الأمنية الإسرائيلية وضع هكذا عمليات على أجندة احتمالاتها. لأنها تدرك أن الروابط التاريخية بين الشعبين الأردني والفلسطيني عميقة عمق التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك. ومع ذلك وباعتراف قادة تلك الأجهزة، أهملوا أخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، وكشف عن إفلاس جديد للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وصدرت في اعقابها ردود فعل عديدة من رئيس الوزراء نتنياهو، وغالانت وزير الحرب وغيرهم من الوزراء وقادة الأجهزة الامنية عن المصاب الصعب على مقتل الحراس ال3، وتوعدوا باتخاذ إجراءات قاسية ردا على العملية الفدائية. كما قامت مباشرة القوات الإسرائيلية بإغلاق المعابر كافة الرابطة بين الأردن وفلسطين الى أجل غير مسمى، واعادت المسافرين الفلسطينيين الى بيوتهم، وقامت باحتجاز العمال الفلسطينيين على المعبر والتحقيق معهم.
وكما يعلم الجميع، أن معبر الكرامة، هو المعبر الوحيد الرابط بين فلسطين وأبناء الشعب في الضفة عموما بما فيها أبناء القدس العاصمة الفلسطينية، ولهذا تأثير كبير على حركة المسافرين ذهابا وإيابا، وعلى حركة النقل للبضائع بين الجانبين الفلسطيني والأردني، ومن المؤكد ان إسرائيل ستعيد النظر في اليات عملها على المعابر لاحقا، وستكون هناك إجراءات أكثر تعقيدا في عمليات التفتيش للشاحنات والسائقين الأردنيين، وغير الأردنيين. وسيكون الأفق مفتوح على وسعه امام تداعيات مختلفة في المستقبل المنظور والوسيط بين الجانبين الأردني والاسرائيلي.