الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:59 AM
الظهر 12:35 PM
العصر 4:07 PM
المغرب 6:54 PM
العشاء 8:10 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

كيف يحزن النازحون؟

الكاتب: سما حسن

تساؤلات غبية تَرِدُ إلى عقلي، ولا تدلّ إلا على قهري وقلة حيلتي، فعندما أشاهد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار بكاء وانهيار أهالي الشهداء والجرحى والمفقودين، وحسرة النازحين حين يُطلب منهم إخلاء بيوتهم ومناطق سكناهم على عجل، أدرك كم هم مجهدون ومتعبون، ويبدو عليهم علامات الشقاء بل أقساها وأشدها، فهم يكابدون ويحاربون هذه الحرب منذ ما يقارب عشرة أشهر ونصف الشهر، ولقد نال منهم التعب، فالنزوح متعب ومرهق، والفقد مؤلم، وكذلك فهم ما خسروا، إلى جانب فقد الأحبة والممتلكات، فهناك من خسروا بيوتهم وأشغالهم وسياراتهم وجاؤوا من شمال غزة إلى جنوبها لا يملكون شيئاً، وقلة ممن نزحوا كان معهم بعض المال لكنهم أنفقوه، وأصبحوا لا يملكون سوى "الستر"، كما يقولون.

أما سكان الجنوب فقد فقدوا منازلهم بأثاثها كما سياراتهم بفعل القصف، وتم تهجيرهم من شرق خان يونس خاصة، ومن رفح بأكملها، ليتركوا كل شيء خلفهم.. أصبحوا مشردين في الخيام، أو في بيوت الأقارب والأنساب، ولذلك فقد نال التعب من الجميع، بدت على الوجوه آيات الإرهاق وسوء التغذية والقلق والتوتر، وما يجرّ ذلك من آثار سلبية تتراكم يوماً بعد يوم على صحة الإنسان.

تخيّل أن يموت لك عزيز فتبكي وتقيم العزاء لثلاثة أيام، ولكنك خلال هذه الأيام تجد من يواسيك، وتجد من يقدم لك ماءً مُثلجاً لترطب جوفك، وتجد من يهيئ لك فراشاً مريحاً، ويدفع في فمك حبة دواء تريح أعصابك، وقد تجد وجبة ساخنة يلقمك إياها أحدهم، وأنت حزين، بل وأصبحت زاهداً في الطعام، ولكنه يصرّ عليك فتزدرد بضع لقيمات، وهكذا تمرّ أيام العزاء وتبدأ يوماً بعد يوم في التحامل على نفسك، وفي تجاوز الحزن قليلاً، بدعم من الناس المحبين حولك، والذين يسعون لتوفير كل سبل الراحة لك، وذلك امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَر طَعَاماً، فإنه قد أتاهم أمر شغلهم.

دأب الناس في غزة على حمل الطعام إلى أهل الميت، لأنهم في شغل كبير بسبب الهم والحزن فلا يستطيعون الطبخ ولا إعداد الوجبات لأطفالهم أو لأنفسهم، وانتقلت هذه العادة من دعوة إسلامية كي تستمر لدى معظم العائلات فلا يتوقفون عن الإطعام على مدار ثلاثة أيام، ففي كل يوم تحمل النسوة من الجيران ثلاث وجبات رائحات وعائدات.

اليوم، أفكر وأنا أرى كل هذا التعب والانهاك، وأرى هذا الحزن المشترك والإنهاك، واسأل، واكتشف أن لا بيوت عزاء ولا حتى هناك قهوة تقدّم عند تقديم واجب العزاء، فهناك بلاءٌ عام، وفقدٌ كبير، وكلّ الناس في همّ وغمّ، وقد كَثُر الموتى، ولم يعد أحد قادر على زيارة أحد، وربما يكتفون بتقديم واجب العزاء عند المصيبة ثم ينفض كل واحد إلى خيمته ويصمت، ويتساءل: من القادم، فالموت في كل مكان، وقلة الحيلة هي العنوان.

أرى الحزن المطلّ من الوجوه الشاحبة، وحين أرى أباً مكلوماً أتمنى لو كان هناك من يقدم له كوباً من الماء المُثلج، ولكن ذلك لن يحدث، وأتمنى لو وجدتُ أحداً يمسح وجه أمّ لم تتوقف عن اللطم، فيبرّد وجهها بالماء القراح، ولكن ذلك لا يحدث فلا ترفٌ حتى لتقديم المواساة، فالجميع يعيش أسوأ أيام حياته مع شح الماء للاغتسال، وشح مواد التنظيف ومزيلات العرق، ومن الطبيعي أن تفوح رائحة العرق من الجميع، فتشمها من المكلوم وممن جاء لمواساته، نعم، هكذا وصلنا لأسوأ حال، تحتضن الفقيد وأنت كنت قبل يومين فاقداً، وتتألم معه ثم تتركه، وأنت لا تستطيع أن تقدم له أكثر، وربما سمعت صوت بطنه الخاوي يقرقر، ولكنك لا تملك أن تقدم له وجبة طعام لا تملكها، لكونك أيضاً تشاطره الحزن، والجوع، والحاجة لحمّام نظيف، وماء مُثلج، وغرفة جيدة التهوية تلف في سقفها مروحة أو تدور في إحدى زواياها أخرى.

هكذا أتساءل بكل ألم عن هؤلاء البؤساء الذين يحزنون أشد الحزن بلا مواساة، ولا يجدون سبلاً لتخفيف حزنهم، فيذهب الجميع منتظراً نفس المصير، وربّما ينسون ما حل بالجار، لأن بلاءً آخرَ يحلّ قبل أن ينتهي اليوم نفسه.. وتستمر المأساة، ونلفّ وندور في دائرة الموت، التي لم نجد منها خلاصاً حتى اليوم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...