الموت البطيء في غزة...
الكاتب: رامي مهداوي
في ظل الحرب المستمرة التي تعصف بقطاع غزة، يعيش نحو مليونَي نازح في ظروف معيشية قاسية داخل المخيمات ومراكز الإيواء. هذه الظروف المروّعة تؤدي إلى انتشار واسع للأمراض والأوبئة، ما يشكل تهديداً خطيراً على صحة وسلامة السكان، خاصة الأطفال.
اليوم، نجد أن الأمراض الجلدية مثل "الجرب" قد أصبحت منتشرة بشكل كبير، حيث تظهر على شكل حبوب وحتى حروق على الجلد. في ظل هذه الظروف الصعبة، يتفاقم الوضع مع انتشار الحشرات والصراصير التي تتحرك على وجوه الأطفال أثناء النوم، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض.
لقد أدى نقص الوقود إلى إغلاق محطات تحلية المياه، ما زاد بشكل كبير من خطر انتشار العدوى البكتيرية مثل الإسهال، حيث يستهلك الناس المياه الملوثة. كما تسبب نقص الوقود في تعطيل جميع عمليات جمع النفايات الصلبة، ما خلق بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات والقوارض بشكل سريع ومنتشر، والتي يمكن أن تحمل وتنقل الأمراض.
مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه النظيفة، يفقد قطاع غزة أرواح الأطفال يومياً. ويعتبر هذا التهديد الجديد نتيجة مباشرة لتدهور البنية التحتية، ونقص المستحضرات الصحية والأدوية الأساسية. يعاني النازحون من تدهور خطير في الصرف الصحي، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة التي تذكرنا بالكوارث الصحية السابقة.
على الرغم من تحذيرات المنظمات المحلية والدولية من انتشار الأمراض المعدية، خاصة بين الأطفال، يبقى الوضع في غزة مأساوياً. مع ندرة العلاجات اللازمة وانعدام مواد النظافة الشخصية مثل الشامبو ومساحيق الغسيل، اضطر بعض الأشخاص إلى استخدام مواد غير صالحة مثل النشا والملح لتصنيع منتجات تنظيف محلية، ما أدى إلى تفاقم انتشار الأمراض الجلدية وتسبب في حروق مضاعفة لدى البعض.
وفي حديثي مع أحد أصدقائي العاملين في المنظومة الصحية، وصف لي الحالات الصحية المنتشرة بين الأطفال بأنها أشبه بمرض الجدري ولكن بأعراض أشد وأكثر خطورة. ونظراً لعدم توفر المضادات الحيوية واللقاحات اللازمة، لا يمكن تقديم أي مساعدة فعالة للمرضى، بينما يظل السبب الرئيس لانتشار هذه الأمراض قائماً، والمتمثل في سوء النظافة الشخصية وتدهور الصرف الصحي ونقص التغذية التي تؤدي إلى ضعف المناعة.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت تظهر علامات على تطور فيروسات جديدة مثل كورونا والتهاب الكبد الفيروسي وأمراض الجهاز التنفسي. هذا التطور يشير إلى عجز النظام الصحي عن مواجهة هذه التحديات المتزايدة. إن هذا القطاع يعيش حالة من الشلل التام، ما يهدد بظهور أمراض جديدة على المدى المتوسط والبعيد.
يعيش معظم النازحين في منطقة ساحلية ضيقة تبلغ مساحتها 50 كيلومتراً مربعاً، حيث تكاد تنعدم فيها أنظمة الصرف الصحي، والمياه المتوفرة قليلة ومحدودة. بالإضافة إلى ذلك، تأخر توزيع المساعدات الإنسانية، بما فيها الصابون والشامبو والأدوية، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية والفوضى العامة في غزة، ما يجعل من الصعب على شاحنات الإغاثة التحرك بأمان.
إن انتشار الأمراض المعدية في غزة يشكل تهديداً وجودياً لسكان القطاع، حيث يفاقم الطقس والاكتظاظ في المخيمات ونقص الغذاء والمياه الملوثة من الأزمة الصحية. مع وجود 700,000 حالة مرضية مسجلة رسمياً، تصبح الحاجة للتدخل الفوري أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
تشمل الحلول المقترحة تعزيز قدرة الرعاية الصحية، وتنفيذ حملات تطعيم وتغذية شاملة، وتحسين ظروف الصرف الصحي والمأوى، وتنسيق الاستجابة الطارئة بشكل أفضل، وزيادة مشاركة المجتمع في هذه الجهود، إلى جانب توفير المساعدات عبر الحدود. إن اتباع نهج تعاوني في مجال الصحة العامة عبر القطاعات والحدود أمر بالغ الأهمية لاحتواء هذه الأزمة الحالية، وكسر دورة الأمراض المعدية التي تستغل الضعف الناجم عن الحرب.
إن الاستثمار في النظام الصحي والبنية التحتية الاجتماعية في غزة ليس مجرد حل مؤقت، بل هو السبيل الوحيد لتخفيف تأثير تفشي الأمراض في المستقبل وضمان حياة أفضل لسكان القطاع.