الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:56 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:10 PM
المغرب 6:59 PM
العشاء 8:16 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ماذا بعد القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية

الكاتب: د. عمار الدويك

نحو استراتيجية دبلوماسية وحقوقية جديدة

في خطوة تاريخية ومهمة، أصدرت محكمة العدل الدولية يوم الجمعة 19/7/2024 قرارها الاستشاري بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. باختصار القرار اعتبر استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير شرعي وطالب بإنهائه بشكل كامل وغير مشروط، وتعويض الفلسطينيين عن نهب المصادر، وإزالة المستوطنات وهدم الأجزاء من الجدار الواقعة في داخل الاراض المحتلة سنة 1967.  

يكتسب القرار أهمية خاصة ليس فقط من حيث مضامينه المهمة والواضحة بشأن مختلف الجوانب القانونية المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي، ولكن أيضا من جهة توقيته. فقد جاء في ظروف حرجة في ظل تزايد الهجمة الاستيطانية وتسابق حكومة الاحتلال مع الزمن لفرض مزيد من الوقائع على الارض، وبعد يومين فقط من مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد هذا القرار؟ وكيف يمكن استثماره لخلق تغيير حقيقي على الأرض؟ فقد سبق هذا القرار قرارات أخرى وصفت في حينه انها تاريخيا، مثل الرأي الاستشاري الصادر عن ذات المحكمة في سنة 2004 بخصوص جدار الفصل العنصري، وقرار المحكمة ذاتها بخصوص التدابير الاحترازية لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لكن لم يتغير شيء بعد هذه القرارات بل ان الوضع ازداد سوء على الأرض.

وللإجابة على هذا السؤال يجب فهم طبيعة القانون الدولي، الذي يقوم على فكرة سيادة الدول، وعدم وجود سلطة أعلى من الدول، وغياب اليات انفاذ للقانون الدولي ولقرارات محكمة العدل الدولية مستقلة عن إرادة الدول. فالقانون الدولي قانون رضائي، يقوم على موافقة الدول نفسها على انفاذه والخضوع لأحكامه. كما يجب أيضا فهم مكانة المنظمات متعددة الأطراف في السياسة الدولية، والتي تراجعت بشكل كبير بعد الحرب الباردة، وأصبحت العلاقات الثنائية بين الدول هي العامل الحاسم في العلاقات والسياسة الدولية وليس ما تقرره المنظمات الدولية.

الانتقال من العمل في الأطر المتعددة الى العمل على المستوى الثنائي

حققت الدبلوماسية الفلسطينية إنجازات مهمة في إطار المنظمات متعددة الأطراف، خاصة بعد سنة 2012، سواء على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، وحتى مجلس الأمن، إضافة الى اكتساب العضوية الكاملة في منظمات مهمة مثل الانتربول واليونسكو وغيرها. وحصلت فلسطين على قرارات مهمة من المؤسسات القانونية والقضائية الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. لكن لم تتم ترجمة هذه القرارات الى شيء ملموس على الأرض، ولم تشكل هذه القرارات، على أهميتها، أي ضغط جدي على إسرائيل لتغيير سلوكها ووقف جرائمها.
في المقابل، إسرائيل التي تعاني عزلة متزايدة في المنظمات الدولية، تنجح بشكل كبير في تعزيز علاقاتها الثنائية بما في ذلك مع الدول التي تصوت لصالح فلسطين. وقد حققت إسرائيل اختراقات كبيرة ومهمة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك إقامة علاقات دبلوماسية مع دول عربية، وتعزيز علاقاتها مع دول افريقية، وبناء تحالف قوي مع الهند، التي كانت تاريخيا تقف الى جانب الحقوق الفلسطينية، فضلا عن علاقاتها الراسخة مع الدول الاوربية وامريكا. وهذه العلاقات مبنية بالدرجة الأولى على المصالح كما انها تحمي إسرائيل من أي محاسبة جدية او عقوبات او ضغوطات. 

تعطي الأطر المتعددة والمنظمات الدولية بما فيها أيضا المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، مجالاً مريحاً للدول لدعم فلسطين دون أي تكلفة او تبعات. فكثير من الدول تقف إلى جانب فلسطين في الأطر متعددة الأطراف مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة وتصوت لصالح القرارات التي تدعم الحقوق الفلسطينية، لكنها في ذات الوقت تقيم علاقات ثنائية قوية مع إسرائيل تشمل التبادل التجاري والثقافي والتعاون الأمني والعسكري أحيانا. هذا التناقض، او بالأحرى النفاق، في مواقف الدول، يتطلب من الجانب الفلسطيني تبني استراتيجية جديدة تركز على تحويل الدعم الذي تبديه الدول في المنظمات الدولية إلى مواقف في علاقات هذه الدول الثنائية مع إسرائيل. والانتقال من التركيز على المنظمات الدولية، الى التركيز على الدول لدفعها باتجاه اتخاذ قرارات ومواقف تجاه إسرائيل في علاقاتها الثنائية وليس فقط الأطر المتعددة.

ضرورة الانتقال الى مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي

خلقت حرب الإبادة على قطاع غزة واقعا جديدا كشف الوجه الحقيقي الاجرامي للاحتلال الإسرائيلي، وحرك ضمائر الشعوب في مختلف دول العالم، وقد جاء قرار العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب افريقيا ليضع إسرائيل في مصاف الدول التي ارتكبت جريمة الجرائم وهي الإبادة الجماعية.  هذا الواقع المؤلم الذي يدفع فيه الفلسطينيون ثمنا كبيرا من أموالهم وأنفسهم، يخلق فرصا مهمة يجب استثمارها للتحرك. كما ان القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الأخير يفتح آفاقا جديدة وواسعة في هذا الإطار، خاصة ما جاء في القرار بخصوص التزامات الدول الأخرى. حيث نص أن واقع الاحتلال وممارساته العنصرية في فلسطين، يرتب التزاما قانونيا على جميع الدول تجاه ما يجري في فلسطين، فعليها أولا ان لا تعترف بأية وقائع خلقتها إسرائيل في الأراضي المحتلة سنة 1967، وأيضا عليها التزامات باتخاذ إجراءات لإجبار إسرائيل على احترام القانون الدولي الإنساني. واعتبرت المحكمة ان هذا الالتزام ملزم للكافة، حتى تلك الدول التي ليس لها أي اتصال مباشر بما يجري في فلسطين.

هناك الكثير الذي يمكن عمله على المديين القصير والبعيد. فعلى المدى القصير يجب التحرك والتواصل مع الدول لدفعها لاتخاذ إجراءات وفق القرارات التي صوتت هي عليها في الأطر المتعددة. على سبيل المثال في اجتماع القمة العربية الأخير في البحرين في مايو/أيار الماضي، اقرت القمة عددا من القرارات والتدابير من ضمنها ادراج مؤسسات استيطانية وشخصيات إسرائيلية على قوائم الإرهاب في الدول العربية، واتخاذ إجراءات قانونية ضد بعض الشخصيات الإسرائيلية التي تحرض على الإبادة الجماعية في المحاكم الوطنية في الدول العربية. كما اقرت القمة  مقاطعة الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية والمدرجة ضمن اللائحة السوداء الصادرة عن مجلس حقوق الانسان، واتخاذ إجراءات قانونية بحقها. لكن حتى هذه اللحظة لم تنفذ أي دولة عربية هذه القرارات ضمن قوانينها وتدابيرها الداخلية. أيضا الدول التي صوتت في مجلس حقوق الانسان لصالح انشاء القائمة السوداء بالشركات التي تتعامل مع المستوطنات، لم تقم هي نفسها (في اغلبها) باتخاذ إجراءات بحق هذه الشركات.

اما على المدى الابعد، يجب تعزيز بناء التحالفات مع المجتمع المدني في التي تعمل بها السفارات والممثليات الفلسطينية، وتقيم التحالفات مع القوى الحية والمنظمات الحقوقية من اجل العمل المنظم للضغط على حكوماتها لتغيير سلوكها. وأيضا، يمكن دعم جهود التقاضي الاستراتيجي في الدول التي يوجد فيها تشريعات تمنع تصدير أسلحة للدول او الكيانات التي تخالف القانون الدولي. وهنا يمكن الإشارة الى القضية الناجحة في هولندا حيث منعت المحكمة حكومة بلادها بتصدير قطع غيار ومعدات لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كذلك يجب ان ينتقل تركيز الدبلوماسية الفلسطينية من العمل على اقناع الدول الاعتراف بفلسطين (مع أهمية الاستمرار بهذا المسار) الى اقناعها باتخاذ إجراءات وتدابير ضد إسرائيل ومشروعها الاستيطاني، وفق التزاماتها القانونية التي أكدت عليها محكمة العدل الدولية سواء في قرارها الخاص بجنوب افريقيا ام في رأيها الاستشاري الأخير.

هذه الخطوة تتطلب دبلوماسية فعّالة وموجهة وجهود مستمرة، ومراجعة شاملة لأدوات الدبلوماسية الفلسطينية، وتعزيز كوادر السفارات بكفاءات شابة ومتصلة مع العالم وتجيد لغات الدول المستضيفة، وأيضا تعزيز علاقة الخارجية الفلسطينية مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني العاملة في مجال المناصرة الدولية والتقاضي الاستراتيجي حول العالم.

في الختام، فإن القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية اليوم يمثل خطوة مهمة في تعزيز الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية. لكن لتكون هذه الخطوة ذات تأثير فعلي، يجب على فلسطين تطوير استراتيجيتها الدبلوماسية والانتقال من المستوى المتعدد إلى المستوى الثنائي، والعمل بجدية على استثمار القرارات الدولية في العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى لضمان تحقيق أهدافها الوطنية واستعادة حقوقها المشروعة.

 

"د. عمار الدويك، مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان"

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...