الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:59 AM
الظهر 12:43 PM
العصر 4:24 PM
المغرب 7:55 PM
العشاء 9:27 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

نحو مستقبل فلسطيني مقاوم ومستدام

الكاتب: فادي أبو بكر

في عالم يتّسم بالحركة والنشاط الدائمين، يُعتبر الحراك عنصراً أساسياً في شتى المجالات، سواء في السعي لتحقيق مكاسب اقتصادية أو في مواجهة التحديات البيئية والتكنولوجية وغيرها. يعكس هذا الحراك رغبة المجتمعات المستمرة في التقدم والنمو. وعلى الرغم من الأزمات والتحديات المستمرة، تظل الفرص متاحة لإعادة بناء نظام عالمي أكثر استدامة ومرونة، بشرط توجيه هذا الحراك بشكل إيجابي وفعّال.

تعرّضت سلاسل التوريد العالمية لأضرار جسيمة نتيجة للأزمات المتعددة والمتلاحقة مثل جائحة كورونا والصراعات الجيوسياسية. شملت هذه الأضرار نقص المواد الخام وتأخر عمليات التسليم، مما أثر سلباً على الاقتصادات الوطنية والعالمية. وفي السياق الفلسطيني، تضاعفت هذه التأثيرات بسبب القيود المفروضة على الحركة والتجارة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي، والتي تفاقمت بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المستهدفة منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023.

يقولون: "في قلب الأزمات والمحن تكمن أعظم الفرص"، وفي مواجهة هذه التحديات، يمكن للفلسطينيين تحويل الأزمات إلى فرص من خلال إعادة هيكلة سلاسل التوريد لتكون أكثر مرونة واعتماداً على الابتكار المحلي. يمكن أن يؤدي تعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر التوريد إلى تقليل مخاطر التعطل المستقبلية وخلق فرص عمل جديدة، مما يعزز من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الصمود. التحديات الاقتصادية ليست مجرد عائق، بل هي دعوة لاستكشاف فرص جديدة وخلق حلول مبتكرة تعزز من قدرة المجتمع الفلسطيني على التأقلم والتكيف مع الظروف الصعبة.

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شهدت حملات مقاطعة المنتج الإسرائيلي تفاعلاً غير مسبوقاً، ليس فقط على الصعيد الفلسطيني وإنما العربي والعالمي أيضاً. وهنا تكمن فرصة للاستثمار في هذه الثقافة وتعزيزها، بالتوازي مع دعم الإنتاج المحلي لضمان الاستدامة والاعتماد الذاتي بعيداً عن اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي.

اليوم، تواجه العديد من الدول حالة من الانفصال بين الأفكار والسلطة. وفي السياق الفلسطيني، نجد أن أصحاب الأفكار الجديدة والمبتكرة يواجهون صعوبة في الوصول إلى مراكز صنع القرار، مما يؤدي إلى جمود سياسي واقتصادي واجتماعي وحتى ثقافي، وتأخّر في تحقيق التقدم.

لتجاوز هذا المأزق، من الضروري خلق بيئات تمكينية تُتيح لأصحاب الأفكار الوصول إلى مراكز صنع القرار وتشجيع الابتكار داخل مؤسسات الحكم الفلسطينية. إن سد الفجوة بين الأفكار والسلطة ليس مجرد ضرورة سياسية أو اقتصادية، بل هو حاجة ملحة لتحفيز النمو والتطوير في كافة المجالات، حيث يمكن أن تسهم الأفكار المبتكرة في تقديم حلول عملية وفعالة للتحديات المستمرة.

في ظل هذه الظروف المعقدة، تظهر ظاهرة تزايد الحشود الكبيرة غير المنتجة في مقابل قلة من النخب التي تفتقر إلى الفعالية. في فلسطين، يتجلى هذا الوضع في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، ونقص الفرص التعليمية والمهنية الفعالة.

تُعبّر هذه الظاهرة عن فشل في توزيع الموارد وإدارة الإمكانيات البشرية، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي ويضعف المجتمع. وعليه يجب التركيز على تحسين جودة التعليم وتوفير فرص عمل تساهم في تحقيق إنتاجية حقيقية تعود بالنفع على المجتمع الفلسطيني ككل، بدلاً من الاعتماد على الاستهلاك الفارغ الذي يرهق الاقتصاد الفلسطيني ويزيد من الفوارق الاجتماعية. ويعد الاستثمار في التعليم والتدريب المهني مفتاحاً أساسياً لتجاوز هذه العقبات وتعزيز التنمية المستدامة.

لا يمكن إنكار خصوصية الوضع الاقتصادي الفلسطيني، الذي يعتمد على فرضية التدهور السياسي، إذ أن الأزمة التي تصيب السلطة الفلسطينية عامة تؤثر على كافة فئات المجتمع، وإن كانت نسبة التضرر تختلف من فئة إلى أخرى. وما يُعقّد الوضع أكثر استمرار القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة الفلسطينية، الذي يحوّل المصيبة إلى مصيبتين، ما يتطلب نهجاً شاملاً في التعامل مع الأزمات المركبة يعتمد على التكامل بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لضمان استدامة الحلول وفعالية التدابير المتخذة.

ينبغي على الفلسطينيين التركيز على تعزيز التعاون الداخلي والخارجي لمواجهة التحديات بفعالية، واستغلال الفرص المتاحة لبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة. فرغم الصعاب والتحديات التي تواجهها فلسطين، يبقى الأمل قائماً في القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص للنهوض والبناء والتطوير. ومن خلال تعزيز الابتكار المحلي، والاستثمار في تنمية الثقافة الوطنية الرافضة للمنتجات الإسرائيلية، وتجاوز الفجوة بين الأفكار والسلطة، يمكن للفلسطينيين بناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة.

إن التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني تتطلب تكاتف الجهود والتفكير الإبداعي لبناء مجتمع قوي قادر على الاستمرار والصمود، فالأمل في مستقبل أفضل لا ينبع من الظروف الحالية، بل من الإصرار على العمل المشترك والسعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة بطرق جديدة ومبتكرة.

ختاماً، إن تحويل الأزمات إلى فرص يتطلب رؤية بعيدة المدى وتفكيراً استراتيجياً، مع جهود فلسطينية متواصلة ومكثفة لاستغلال كافة الموارد المتاحة وتعزيز الابتكار والتعاون من أجل بناء مجتمع قادر على الصمود في وجه التحديات المتزايدة وتحقيق مستقبل فلسطيني مقاوم ومستدام. يمكن لهذا التحول أن يكون نموذجاً يُحتذى به، مما يعزز صورة الدولة الفلسطينية المستقبلية المنشودة على الساحة الدولية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...