الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:07 AM
الظهر 11:36 AM
العصر 2:20 PM
المغرب 4:45 PM
العشاء 6:05 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مساءلة اسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية حقيقة أم ضرب من الخيال

الكاتب: عوف عبد الرحمن عوض الله

فرضت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على قطاع غزة، منذ العام 2007، وبما يخالف أحكام وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان، وخاصة العهدين الدوليين في حرية الحركة والتنقل والحصول على المسكن والتعليم والصحة، وبشكل خاص في قطاع غزة. وكان للقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، معاناة شديدة وأثرٌ عميقٌ على السكان المدنيين في غزة والأوضاع المعيشية فيها، وتآكل سبل عيش الفلسطينيين بشدة، حيث منع الحصار الإسرائيلي التعسفي المفروض على القطاع السكان المدنيين من البحث عن الأمان والملاذ خارج قطاع غزة وخاصة أثناء الهجمات العسكرية، وتسبب في تشريد وترحيل "قسري" لجزء كبير من السكان، أو نزوحهم داخلياً حتى بعد وقف الأعمال العدائية. فيما أدت قسوة الحصار المستمر إلى جانب الهجمات العسكرية الإسرائيلية الدورية، بأوامر مباشرة من أعلى الهرم السياسي في الحكومة الإسرائيلية، وقادة جيش الاحتلال، إلى تدمير البنية التحتية الأساسية لقطاع غزة .

وعلى الرغم من وجود الدلائل القوية على الاستهداف الممنهج، وواسع النطاق من قبل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، للمدنيين في قطاع غزة في هجومها العسكري الأخير على قطاع غزة بتاريخ 5 أغسطس/آب 2022، وما سبقها من هجمات عسكرية على القطاع في الأعوام 2009،2008 ،2012 2014، 2018، 2019، 2021، أدت إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين، بما في ذلك مئات الأطفال والنساء وكبار السكن، وتدمير واسع النطاق للأعيان والممتلكات المدنية، وبما يشكل جريمة حرب، وفقاً لنظام روما المنُشئ للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه لم تتم لغاية الآن مساءلة أو محاسبة أيٍّ من قادة الاحتلال الإسرائيلي المدنيين والعسكريين المسؤولين عن ارتكاب هذه المخالفات الجسيمة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولم يحصل شعبنا الفلسطيني على حقه في سبل الانتصاف الفعال، حيث ما زال العالم يتعامل بانتقائية مع تطبيق العدالة، وخاصة مع مرتكبي جرائم الحرب، بالإضافة إلى الازدواجية في الاعتبارات السياسية على الصعيد الدولي، على الرغم من المحاولات الكثيرة لخلق قضاء دولي جنائي عادل يلاحق مجرمي الحرب في مختلف انحاء العالم.

وكي نتعمق بشكل أكبر وأوسع في دراسة أسباب هذا الخذلان وانتقائية العالم في تطبيق العدالة، لا بد لنا من البحث أولاً في كيفية انعقاد ولاية المحكمة الجنائية الدولية على فلسطين، وما هي وسائل وطرق تقديم الدعاوى، وكيف يتم البحث بها، وصولاً إلى الشروع في التحقيق، وما هو الوضع القانوني لدولة فلسطين.

بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير قامت دولة فلسطين بإيداع إعلان خاص بموجب أحكام الفقرة (3) من المادة (12) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قَبِلت بموجبه اختصاص المحكمة ابتداءً من 13 حزيران/يونيو 2014، وفي 2 كانون الثاني/ يناير 2015، أودعت فلسطين صك انضمامها إلى المحكمة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وانضمت إلى نظام روما الأساسي، وفي اليوم السابع من الشهر ذاته قَبِل مُسجل المحكمة الإعلان الذي أودعته فلسطين وفقاً لأحكام المادة 12(3) من نظام روما الأساسي، وبناءً عليه أصبح يحق لدولة فلسطين أن تتقدم بالشكاوي والدعاوي اللازمة للمحكمة عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ومازالت ترتكبها حتى الآن بحق فلسطين والشعب الفلسطيني، وذلك منذ 13 حزيران 2014م، وهو تاريخ بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لفلسطين. وبالاشارة إلى مواد الاختصاص الزماني فإن فلسطين قبلت اختصاص المحكمة الجنائية للنظر في الجرائم المرتبكة منذ ذلك التاريخ، وباعتبارها من الجرائم قيد البحث. أما بالنسبة للجرائم الإسرائيلية المرتكبة قبل ذلك التاريخ، وقبل نفاذ النظام الأساسي، فلا تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظرها بسبب أن المحكمة لا تنظر بالجرائم الواقعة قبل انضمام الدول إليها.

ومن ثم إذا ما وضعنا في الاعتبار أن اختصاص هذه المحكمة هو في الأساس تكميلي للاختصاص الوطني، فإن هذا الأساس يترتب عليه ضرورة توافر أسانيد وشروط معينة وضعها نظام المحكمة بقبول الدعوى أمامها. وهو الأمر الذي تم بحثه من خلال قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الصادر بتاريخ 20/12/2019م بتوجيه الطلب إلى الدائرة التمهيدية للفصل في مدى توافر الاختصاص الإقليمي للمحكمة على حالة فلسطين، ولاحقاً قرار الدائرة التمهيدية الأول للمحكمة الجنائية الدولية الصادر يوم الجمعة 5 شباط / فبراير 2021 ، بالنص التالي: (ترى المحكمة الجنائية الدولية وفق الأغلبية، أن الاختصاص الإقليمي للمحكمة يشمل الأرض الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة).

اذا ما هو الأساس القانوني المقدم من جانب الادعاء لتحديد الاختصاص القضائي للمحكمة على فلسطين؟

تلقت المحكمة الجنائية الدولية في 22 مايو عام 2018م، بمكتب المدعي العام آنذاك (فاتوا بنسودا) إحالة واردة من دوله فلسطين طبقا لأحكام المادتين (13/أ و14) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي دولة طرف في نظام روما الأساسي منذ 13 حزيران/يونيه 2014، حيث تضمن هذا الطلب أن تشرع المدعية العامة التحقيق في

الجرائم الإسرائيلية المرتبكة في جميع أنحاء إقليم فلسطين كقضايا الأسرى، والاستيطان المتزايد، وأخيراً العدوان على قطاع غزة.

ومن ثم أعلنت المدعية العامة بتاريخ 20 ديسمبر 2019 عن نيتها المضي قدماً في حاله فلسطين من خلال فتح تحقيق بشأن الجرائم التي يُزعم بارتكابها على الأرض الفلسطينية. ثم بعدها توصلت لوجود الأساس المعقول للشروع والبدء في إجراءات تحقيق رسمي، وذلك بناءً على استيفاء جميع المعايير القانونية المنصوص عليها في المادة (53/1) من النظام الأساسي، والتي تتعلق بشروط الاختصاص ومصالح العدالة، إلا أنها أرجأت التحقيق إلى حين بت وحسم الدائرة التمهيدية بالمحكمة في طلبها المتضمن تأكيد الاختصاص الإقليمي للمحكمة على الأرض الفلسطينية.

وكان الادعاء العام قد أسس طلب هذا الإجراء بناءً على نص المادة (19/3) من نظام روما الأساسي والتي تنص على أنه: "للمدعي العام أن يطلب من المحكمة إصدار قرار بشأن مسألة الاختصاص أو المقبولية "، فضلاً عن نص الفقرة الأولى من ذات المادة التي نصت على: "تتحقق المحكمة من أن لها اختصاصاً للنظر في الدعوى المعروضة عليها، وللمحكمة، من تلقاء نفسها أن تبت في مقبولية الدعوى وفقاً للمادة 17".

ووفقاً لنص هذه المادة يتضح أنها واسعة النطاق، حيث أنها تمنح من حيث الأصل حق الادعاء في مطالبة المحكمة بالفصل في مسألة الاختصاص القضائي قبل الشروع في التحقيق، بحيث لا يُفرض أي قيد زمني على قدرة الادعاء على ممارسه هذا الحق، أو عدم قدرة المحكمة في البت في هذا الطلب، وهو الأمر الذي اتضح جلياً من خلال نص المادة سالفة الذكر من النظام الأساسي، حيث أنها أكدت من خلالها على حق الادعاء العام بأن يطلب قراراً قضائياً حتى قبل وجود قضية ناشئة عن الحالة من الأساس. وذلك لأن نص المادة (19/3) التي تسمح للمدعي العام بالتماس قرار من المحكمة بشأن مسألة الاختصاص أو المقبولية هي مسألة تنطوي على دعم للطلب ذاته، حيث يسمح هذا الحكم الوارد بهذه المادة بطرح مسألة الاختصاص على الدائرة التمهيدية، ويُلزم الدائرة بحل هذه المسألة، لأنه من الضروري إصدار حكم قضائي في هذه المرحلة لتسيير وتسهيل إجراءات تحقيق المدعي العام بطريقة فعالة وسريعة، وعلى أساس قانوني سليم، بما يضمن معه تعاون الدول في هذه المرحلة، والذي لن يتم إلا بوجود حكم واضح وعلني بشأن أساس الاختصاص الذي يمكن للمدعي العام بسببه أن تقوم بإجراء التحقيق على أساسه في هذه الحالة.

وبالتالي، ونظراً لوجود إحالة من دولة فلسطين، فلا يشترط استئذان الدائرة التمهيدية قبل الشروع في فتح تحقيق، ولكن نظراً للمسائل المتعلقة بالقانون والوقائع المرتبطة بحالة فلسطين، وهي حالة فريدة ومحل خلاف شديد، أي الخلاف حول الإقليم الذي يجري فيه التحقيق، فقد طلبت المدعية العامة البت في هذه المسألة لحسمها قبل الشروع في التحقيق.

ومن الجدير بالذكر أن فلسطين كانت قد توجهت أكثر من مرة للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت أولى هذه المرات في العام 2009، غداة العدوان العسكري الإسرائيلي "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة، حيث سلمت للمحكمة الجنائية

الدولية إعلانا بقبول اختصاص المحكمة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بناءً على أنها كيان مراقب بالأمم المتحدة، وبعد إيداع فلسطين لهذا الإعلان قام المدعي العام حينها "لويس مورينو اوكامبو"، بفتح دراسة أولية حول الوضع بفلسطين، ولم يصدر قراراً سوى بعد ثلاث سنوات أي في 3 نيسان 2012، بأنه لن يستطيع الانتقال إلى مرحلة التحقيق لإشكالية عدم وضوح مكانة فلسطين كدولة بموجب القانون الدولي، لكنه أكد استعداد مكتبه للتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم في فلسطين، في حال تمت تسوية أمر مكانتها القانونية أمام الهيئات المختصة في منظومة الأمم المتحدة.

ومن ثم، وبعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ( 67/19) في تشرين الثاني من العام 2012، والذي تم بموجبه الاعتراف بفلسطين "دولة غير عضو بصفة مراقب في الأمم المتحدة" مهد هذا القرار الطريق لانضمام "دولة فلسطين" إلى مؤسسات دولية أخرى، ثم قدمت فلسطين إعلانها الثاني بموجب نظام روما وصك انضمامها للمحكمة للأمين العام للأمم المتحدة في 1 كانون الثاني / يناير من العام 2015م، حيث انضمت فلسطين إلى النظام الأساسي للمحكمة، ودخل هذا الأخير حيز النفاذ تجاه دولة فلسطين في 1 نيسان/ أبريل عام 2015م ، وفي السابع من كانون الثاني/يناير 2015، أبلغ مُسجّل المحكمة الحكومة الفلسطينية بقبوله الإعلان الذي أودعته حكومة فلسطين بموجب المادة 12(3) في الأول من كانون الثاني/يناير 2015، وبأن الإعلان أُرسل إلى المدعية العامة كي تنظر فيه، وظلت هذه الحالة في فلسطين قيد الدراسة الأولية من 16 كانون الثاني / يناير 2015م .

وتبعاً لذلك تلقي مكتب الادعاء العام في 22 آيار/ مايو 2018م طلب إحالة من حكومة دولة فلسطين بخصوص الحالة في فلسطين منذ 13 حزيران / يونيه 2014م فصاعداً، وطلبت دولة فلسطين من المدعية العامة وفقاً للمادتين (13/أ) و (14) من النظام الأساسي أن تحقق وفقاً للاختصاص الزمني للمحكمة في الجرائم الماضية والجارية والمقبلة والواقعة ضمن إطار اختصاص المحكمة، والتي تم ارتكابها في جميع أنحاء دولة فلسطين.

حيث قدمت فلسطين في هذه الحالة الأخيرة، طلب إحالة تأسيسي على أنها دولة عضو في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك وفقاً لنص المادة (13) من النظام الأساسي، والتي تنص على أن: "للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة (5) وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية :أ- إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة (14) حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت".

وأيضا على أساس نص المادة (14) من النظام الأساسي بموجب أنها دولة عضو في المحكمة بعد بدء نفاذ النظام بأن: "إحالة حالة ما من قبل دولة طرف والتى نصت على أن: " 1- يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت، وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة، بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم،

2- تحدد الحالة قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة".

وتبعاً لذلك، أجرى الإدعاء العام فحصاً مبدأياً منذ 16 يناير عام 2015م، بحيث تم تكليف الدائرة التمهيدية الأولى بالحالة الفلسطينية، وهو الاستعداد لفتح تحقيق بمجرد تأكيد نطاق اختصاص المحكمة، فالدراسة الأولية ليست تحقيق بالمعنى القانوني، وإنما هو إجراء تمهيدي يتم اتخاذه من قبل مكتب المدعي العام للتأكد من استيفاء المعايير القانونية التي يتطلبها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبناء على نتائجها يمكن للمدعي العام، إما أن يعلن فتح التحقيق، أو إغلاق الملف، وقد اعتمد الادعاء في القضية على نص المادة (19/3) من النظام الأساسي وفقاً لما سلف بيانه لدعم طلبه مع تفسيرها بحسن نية، ومع الأخذ في الاعتبار معناها الظاهري والغرض منها.

وبالتالي فإن الدراسة الأولية ليست تحقيقاً قانونياً لأنه باستثناء نص المادة (19/3) من النظام الأساسي فإنه لا يوجد بالنظام الأساسي أية وسيلة إجرائية أخرى يمكن أن يستخدمها المدعي العام للتدخل القضائي، إضافة إلى أن عدم اشتراط إذن الدائرة لبدء تحقيق المدعي العام في حالة الإحالة من الدولة، لا يُقصد به أن تدخلها في هذه المرحلة ممنوع، وحتى مع إحالة الدولة للقضية، ليس هناك ضمان لعدم ظهور مسألة الاختصاص في الإجراءات بعد ذلك، لذا تحسم الدوائر مسائل الاختصاص في البداية حتى لو لم يكن مطلوب قانوناً وذلك بموجب المادة (15/4)، والتي نصت على أنه:" إذا رأت الدائرة التمهيدية، بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة، أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق، وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرره المحكمة فيما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى"، وبالتالي سيتم إجراء التحقيق بعدئذٍ على أسس قضائية صلبة ومختبرة قضائياً، وفي ذات الصدد يتضح أن المادة (19/3)، والمادة (14)، لا تُكبل أو تقيد سلطة المدعي العام في طلب إصدار حكم في مرحلة معينة، أو بخصوص جزء معين من الإجراءات.

ومن ثم فان تطبيق المادة (19/3) على حاله فلسطين يتفق مع موضوع وهدف النظام الأساسي للمحكمة الذي يسعى في الأصل إلى "عدم الإفلات من العقاب" وضمان تفعيل اختصاص المحكمة بطريقة قانونيه ومرنة، وهو الأمر الذي اتضح جلياً من خلال بيان المدعية العامة والذي ورد فيه: "بأنها مقتنعة بأن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق في الحالة في فلسطين، عملا بالمادة (53 /1) من النظام الأساسي. وإيجازاً، فإني مقتنعة بما هو آتي: (1) بأن جرائم حرب قد ارتُكِبت أو تُرتكب في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة".

وهنا يثار التساؤل، لماذا ركز البيان على جرائم الحرب فقط؟

من الواضح أن الادعاء كان قادراً على تحديد أن هناك أساساً معقولاً للاعتقاد بأن هناك جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، (وبالتحديد جرائم الحرب المشار إليها)، قد ارتكبها أعضاء من أطراف النزاع، فإنه لم يكن قادراً، ولا هو

مطلوب منه كذلك، تحديد جميع الادعاءات الواردة، حيث أن الجرائم المحددة أعلاه هي للتوضيح فقط، بمجرد أن تباشر المدعية العامة عملها بموجب المادة 53 (1)، لن يقتصر تحقيقها على الجرائم المحددة التي استُرشد بها في تقييمها في مرحلة الفحص الأولي.

وبالتالي سيكون الادعاء قادراً على توسيع أو تعديل التحقيق فيما يتعلق بالأفعال المحددة أعلاه أو غيرها من الأفعال أو الحوادث أو الجماعات أو الأشخاص المزعومة و أو اعتماد مؤهلات قانونية مختلفة، طالما أن القضايا المحددة للمقاضاة مرتبطة بشكل كاف بالوضع، وعلى وجه الخصوص فإن الحالة في فلسطين هي حالة يُزعم أن الجرائم ما زالت تُرتكب فيها.

أما عن الأساس القانوني الذي بَنى عليه الادعاء العام طلبه فقد أسس الادعاء العام طلبه بناء على المعلومات المتاحة لديه، وعلى وجه الخصوص، بأن هناك أساساً معقولاً للاعتقاد بأن أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكبوا جرائم حرب متمثلة في شن هجمات غير متناسبة فيما يتعلق بثلاث حوادث على أقل تقدير ركز عليها، وتُشكل جرائم وفقاً لنص المادة (8/2/ج/1) من النظام الأساسي، وهي جرائم تنطوي على ارتكاب القتل العمد، والتسبب عمداً في إصابة جسيمة بالجسم أو بالصحة، وفقاً لنصوص المواد (8/2/أ/1) و (8/2/أ/3) أو المادة (8/2/ج/1)، وهي جرائم تنطوي على توجيه هجوم عمداً ضد أعيان أو أشخاص من مستخدمي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جينيف، وفقاً للمواد (8/2/ب/24) أو (8/2/هـ/2) .

حيث يري الادعاء أن هناك أساساً معقولاً للاعتقاد. بأنه، وباستمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، فإن أفراد من قوات الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكبت جرائم حرب بموجب المادة (8 /2/ب/8)، وخاصة فيما يتعلق بنقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية منذ 13 حزيران / يونيو 2014. وخَلُص الادعاء كذلك إلى أن القضية أو القضايا المحتملة التي يُرجح أن تنشأ عن التحقيق في هذه الجرائم المزعومة ستكون مقبولة بموجب المادة( 17 /1/أ/ د) من النظام الأساسي.

وفيما يتعلق بإشارة الادعاء العام لقطاع غزة، فقد لاحظ الادعاء بأن نطاق حالة فلسطين يُمكن أن يمتد ليشمل إجراء تحقيق في الجرائم التي يُدعى ارتكابها فيما يخص استخدام أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي لوسائل غير مميتة، ووسائل مميتة ضد الأشخاص المشاركين في المظاهرات التي بدأت في آذار/ مارس 2018، بالقرب من السياج الحدودي في قطاع غزة، مما نتج عنه استنادا إلى التقارير، عن مقتل أكثر من 200 شخص، من بينهم ما يزيد على 40 طفلاً وإصابة آلاف آخرين.

ونتحدث في الجزء الثاني من الدارسة، عن الأبعاد القانونية والعملية لتحديد الاختصاص القضائي من جانب الغرفة التمهيدية قبل الشروع في إجراءات المحاكمة، ونطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية على فلسطين، وفلسطين دولة طرف في نظام روما الأساسي.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...