خطاب جو بايدن: حالة غزّة تقتحم حالة الاتّحاد
الكاتب: نبيل عمرو
انتظر العالم خطاب حالة الاتّحاد الذي ألقاه الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الكونغرس. هذه هي أميركا الموجودة في كلّ الأماكن والقضايا، والمؤثّرة في المسارات بتدخّلها المباشر أو عن بعد.
أعترف بأنّ الرئيس العجوز جو بايدن فاجأني بقدرته على إلقاء خطاب شامل بلا هفوات، خطاب أميركي كونيّ. هو في الواقع افتتاحية لمعركة انتخابية، ستكون أصعب كثيراً من تلك التي خاضها قبل 3 سنوات.
الرجل الذي اضطرّ في نهاية الخطاب إلى الدفاع عن كبر سنّه، يحتاج في دورته الثانية كي يفوز إلى حشد ما يُقنع به الناخب الأميركي من إنجازات داخلية. وما يبرهن على سداد رؤيا وسلوك تجاه القضايا الدولية الساخنة. وأهمّها أوكرانيا في أوروبا وغزّة في الشرق الأوسط.
ما يهمّنا كفلسطينيّين ولبنانيّين
ويهمّنا كشرق أوسطيين وبالمقام الأوّل كفلسطينيين ولبنانيين مشتبكين في حرب متّصلة هي الأطول من بين حروب المنطقة. رصد الموقف الأميركي منها وهي تدخل شهرها السادس، من واقع أنّ الدولة العظمى شريك يتقمّص صفة الوسيط.
وإذا ما نظرنا لمجريات الحرب من ساعاتها الأولى إلى الساعة التي ألقى فيها الرئيس جو بايدن خطابه “حالة الاتحاد”. فيحقّ لنا، نحن المكتوين بنارها، أن نطالب الرئيس جو بايدن باعتذار عن الشراكة المباشرة لإدارته في الحرب. ذلك أنّ عشرات الآلاف الذين يعترف بأنّ معظمهم من الأطفال قُتلوا بسلاح وعتاد أميركي. وما كان لحرب الإبادة هذه أن تستمرّ بمدىً زمني مفتوح لولا التغطية الأميركية لها باستخدام الفيتو عدّة مرّات. ليس لمنع صدور قرارات تمسّ بأمن إسرائيل، وإنّما لمنع وقف حرب الإبادة حين أجمع العالم كلّه على وقفها.
الرئيس جو بايدن صاحب سياسة الدعم العاجل لإسرائيل، والوعد الآجل للفلسطينيين
إذا كنّا نسامح الرئيس بايدن عن ترف الاعتذار فكيف لنا وللعالم أن نسامحه على الفشل في إحراز هدنة إنسانية مؤقّتة. والعالم كلّه يعرف أنّ بنيامين نتنياهو يقف وراء الفشل. والسيّد بايدن يعرف كذلك البعد الشخصي في قرارات الحرب التي يديرها، ولا يسمح لأميركا “العظيمة” بمجرّد إضفاء بعض الديكورات عليها. إذ إنّ أميركا وفق نتنياهو لها وظيفة وحيدة في العالم. وهي الانجرار وراءه معصوبة العينين، وتزويد حروبه بما يلزم من ذخائر وأموال وتغطيات سياسية.
بايدن بين الدعم والوعد
الرئيس جو بايدن الذي أكثر من الحديث عن حالة غزّة. ونصح إسرائيل بأن لا تُدخل الشؤون الإنسانية كمادّة مساومة سياسية. كانت وصلته تصريحات نتنياهو كردّ مسبق على خطاب حالة الاتّحاد: “سأواصل الحرب بما في ذلك اجتياح رفح”.
الرئيس جو بايدن صاحب سياسة الدعم العاجل لإسرائيل، والوعد الآجل للفلسطينيين. أمر الجيش الأميركي بإقامة ميناء قبالة برّ غزة. لنقل المساعدات الإنسانية لمن وصفهم بلسانه بالأبرياء والمرضى والجوعى والجرحى والأيتام والأرامل. وذلك بعدما فشل أو تواضع تأثير الدعم من الجوّ والبرّ ليبقى البحر كملاذ أخير، وهو ما أنتج سؤالاً لماذا البحر؟ ولماذا الاستفاقة المتأخّرة على الدور الإنساني لدولة “حقوق الإنسان” بعد كلّ ما جرى؟
الجواب بكلّ بساطة هو تحوّل غزة خلال شهور فظائع نتنياهو إلى قضيّة رأي عامّ داخل أميركا. كان تصويت ميشيغان مؤشّراً أوّليّاً أخاف الرئيس بايدن من ملايين الأوراق البيض التي ستوضع في الصناديق. بعدما كانت هذه الأوراق في الانتخابات السابقة باسمه الصريح كرجل وعد بتصحيح نهج ترامب صاحب الصفقة الجنونية. وحين فاز بالأصوات أدار الظهر مرّتين: مرّة حين لم يفِ بوعوده تجاه العلاقة مع الفلسطينيين. والمرّة الثانية، وهي الأخطر، شراكته لإسرائيل في الحرب على غزة. ومعادلة ذخائر الدمار الباهظة الثمن لإسرائيل مقابل السندويشات الملقاة من الجوّ للفلسطينيين.
الرجل الذي اضطرّ في نهاية الخطاب إلى الدفاع عن كبر سنّه، يحتاج في دورته الثانية كي يفوز إلى حشد ما يُقنع به الناخب الأميركي من إنجازات داخلية
لكي لا نقع في هاوية اليأس، ولكي نتعامل مع ما يجري على أنّه حرب مصيرية تراها إسرائيل نتنياهو هكذا ونراها كأصحاب قضية كذلك. فلِمَ لا نتعامل مع أميركا مثلما تعامل أهلنا وحلفاؤنا في ميشيغان مع بايدن وترامب. مع توسيع الدائرة لتشمل كلّ أوراق التأثير المتوافرة لدينا. فلسطينيين ولبنانيين وعرباً. ومتعاطفين من كلّ الملل والأجناس يتزايدون كلّ يوم ويؤثّرون في قلب دولهم ومجتمعاتهم؟
لا نسعى إلى فتح جبهات عسكرية ولا نطلب تسليحاً حديثاً من أيّ جهة، ولا نتعلّق بأهداب نجاح أميركي في لعبة دور الوسيط. وإذا كنّا غير قادرين على تجاهل أهمّية أميركا ونفوذها في منطقتنا والعالم. فينبغي أن لا نواصل تجاهل أوراقنا التي لو وُضعت في ميزان لرجحت كفّتنا على كفّة الأوراق الإسرائيلية التي أضحت في الواقع عبئاً على أميركا أكثر بكثير ممّا هي ميزة لديها.
نألم كلّ يوم لا تتوقّف فيه الحرب الهمجية على غزة. إلّا أنّ الحقيقة التي أضاءتها أمام ظلام العالم كلّه هي أنّ هذا القطاع. الذي لا تزيد مساحته على مساحة مدينة عملاقة. اقتحمت حالته عقر دار أميركا لتكون غزّة فلسطين وغزّة الشرق الأوسط حاضرة حضور الكوفيّة. التي توشّحت بها عضو الكونغرس رشيدة طليب لتفرض نفسها رمزياً وسياسياً كحالة قويّة على حالة الاتحاد. وكناخب لا يمكن تجاهله ليس في ميشيغان وإنّما في كلّ مكان.
ستضع الحرب أوزارها ونأمل أن يكون ذلك قريباً وبعدها تبدأ معركة الاستحقاقات التي أنتجتها. وفي قلبها معركة تحقيق الدولة الفلسطينية وانتقالها من حالة الوعد الدائم والمؤجّل إلى التطبيق العاجل والعمليّ. معركة كهذه وضعت غزّة بتضحياتها كحلقة من سلسلة الكفاح الوطني الفلسطيني التي لم تنقطع، وضعت بنيتها التحتية المتينة. وبقي علينا ما بعد ذلك.