نبض الحياة.. بوشنيل النموذج الأميركي الاخر
الكاتب: عمر حلمي الغول
عندما يذكر اسم الولايات المتحدة الأميركية يستحضر المتلقي جرائم الإبادة التاريخية المرتبطة بتأسيس الدولة، التي قامت على أنقاض إبادة جماعية طالت 105 مليون انسان من سكانها الأصليين، ومئات الحروب وعمليات القتل والانقلابات العسكرية في العشرات من دول العالم، التي راح ضحيتها عشرات الالاف والملايين من الضحايا باسم "الديمقراطية" و"حقوق الانسان"، والحقيقة عكس ذلك تماما. لان هدفها الرئيس نهب ثروات الشعوب، واغتيال الزعماء الوطنيين والقوميين والديمقراطيين، وتنصيب الطغاة وقتلة الشعوب من العملاء والمأجورين خدم الامبريالية، وادواتها الوظيفية لتحقيق الربح الاحتكاري لشركاتها وكارتلاتها القومية وفوق القومية.
وهي حامية وداعمة وصانعة دولة إسرائيل اللقيطة مع بريطانيا وغيرها من دول الغرب الامبريالي، التي أقيمت كخندق امامي في فلسطين العربية على حساب نكبة الشعب العربي الفلسطيني لتفتيت وحدة شعوب الامة العربية، ونهب ثرواتها وخيراتها، وابقاءها في دائرة المحوطة والتبعية، والحؤول دون نهوضها وتطورها ولحماية مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط، واستخدام أراضي العرب قاعدة ارتكاز لمواجهة منافسيها من الأقطاب العالمية الأخرى.
كما انها الشريك والقائد الفعلي لحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني مع إسرائيل النازية وحلفائها من الغرب الرأسمالي، والتي حالت وتحول حتى اليوم 145 للحرب دون وقفها فورا على قطاع غزة، التي أودت بما يزيد عن 100 ألف مواطن فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود وجلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير مئات الالاف من الوحدات السكنية والبنى التحتية وإخراج 31 مستشفى عن الخدمة وتدمير المئات من المدارس وأماكن العبادة المسيحية والإسلامية والمؤسسات والورش والمصانع.. الخ
لكن هذه الصورة البشعة والكريهة للامبراطورية الأميركية لا تتماثل مع روح قطاع واسع من الشعب في الولايات المتحدة، فهناك صورة أخرى لا تشبه وجهها القبيح، نموذجها راشيل كوري عضو حركة التضامن العالمية، التي سافرت لقطاع غزة في الانتفاضة الثانية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وقتلتها الجرافة الإسرائيلية في 16 مارس 2003. لانها حاولت بجسدها الغض ان تمنع تلك الجرافة من هدم بيوت الفلسطينيين في مدينة رفح، معتقدة انها بجنسيتها الأميركية تملك حصانة من القتل، الا ان دولة الموت والمحرقة والابادة الإسرائيلية الخارجة على القانون قتلتها دون ان يرف لقادتها جفن.
ونموذج بطولي آخر مثله البطل الطيار الأميركي آرون بوشنيل، ابن ال25 عاما، الذي رفض مشاركة وقيادة دولته في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، فقام بحرق جسده أمام سفارة تل ابيب في واشنطن يوم الاحد في 25 فبراير الحالي، وتوفي في يوم اول امس الاثنين 26 فبراير متأثرا بالحروق الخطيرة التي أصيب بها، واعلن وهو يلبس زيه العسكري قبل ان يشعل النار بجسده وروحه العظيمة قائلا "لن أكون متواطئا في الإبادة الجماعية" للشعب الفلسطيني، وهو يصرخ "فلسطين حرة"
وبدل ان يقدم حراس السفارة الإسرائيلية من القوات الاميركية لبوشنيل الرعاية الفورية، قام أحدهم بتوجيه مسدسه نحو المناضل الأميركي الاممي، الذي شاء ان يعبر عن رفضه للإبادة الجماعية، ومطالبته بوقف الحرب فورا بحرق نفسه على مرآى من اركان الإدارة الأميركية والعالم اجمع، ليفضح ويعري تواطأها وقيادتها لحرب الأرض المحروقة في محافظات الجنوب الفلسطينية. وشاء من خلال إضرام النار في جسده ان يضاعف من تحريك الرأي العام الأميركي ضد إدارة الرئيس بايدن المتصهينة، وليؤكد ان الشعب الاميركي ليس انعكاسا لصورة اليانكي القاتل، ولا هو صدى لصوتها وجرائم حربها، وخرقها للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.
راشيل كوري وارون بوشنيل وغيرهم المئات والالاف والملايين من الشعب الأميركي، الذين خرجوا في عشرات المظاهرات في الولايات المتحدة الأميركية المختلفة المساندة والمؤيد للشعب العربي الفلسطيني، والمطالبة بوقف حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية، هم نموذج آخر، النموذج الحي والإنساني، النموذج الرافض للظلم والقهر والوحشية الأميركية والإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والمطالبين بإنصافه ومنحه حقوقه السياسية والقانونية والإنسانية.
وكل من راشيل وبوشنيل يستحقون من القيادة الفلسطينية التكريم، ومنحهم الاوسمة التي تليق بتضحياتهما البطولية، وأطلاق أسماءهم على الميادين والشوارع في المدن الفلسطينية المختلفة، وحتى إقامة نصب لتخليد ارواحهم الابية، وتأبين ارواحهم في بيوت عزاء تأكيدا على الوفاء لهما، وعرفانا من الشعب الفلسطيني بدورهما البطولي الخالد، وردا على فجور الإدارة الأميركية، وهذا اقل الممكن وفاءً لأرواحهما. فهل نحن فاعلون؟
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com