ليبيا تنتصر لفلسطين
الكاتب: عمر حلمي الغول
نبض الحياة
كان ومازال الرهان على الشعوب العربية وقواها الوطنية والقومية والديمقراطية في احتضان قضية العرب المركزية، والدفاع عنها باعتبارها قضيتهم الأولى، لقناعاتهم الراسخة، ان ما جرى ويجري من تشرذم وانهيارات في الدول العربية يعود لوجود دولة إسرائيل الاستعمارية، وتكريس أهدافها مع اسيادها في الغرب بقيادة واشنطن في تسييدها عليهم بعد تمزيق دولهم وشعوبهم، ونهب ثرواتهم، وابقائهم في دائرة التبعية والمحوطة. رغم كل ما تعانية من ارباكات وصراعات وانقسامات وانشقاقات داخلية بفعل تداعيات "الربيع العربي" ومؤامرة الولايات المتحدة وحلفائها.
نعم وقف الشعب الليبي البطل وقواه الوطنية الحية اول امس الاحد، ويوم امس الاثنين 27و 28 آب / أغسطس الحالي الى جانب فلسطين وشعبها وقضيتها، ورفضت الجماهير الليبية رفضا قاطعا لقاء وزيرة خارجية ليبيا، نجلاء المنقوش مع ايلي كوهين، وزير خارجية إسرائيل، الذي أعلنت وزارته اول امس الاحد عن لقاء تطبيعي مع الوزيرة الليبية في روما بتنسيق ورعاية وزير خارجية إيطاليا انتونيو تاجاني الأسبوع الماضي، وبعد تنسيق مباشر بين الوزارتين الليبية والإسرائيلية والمسؤولين فيهما لمدة ساعتين وتحديد نقاط الحوار، والاتفاق على الإعلان الرسمي عن اللقاء المسخ وفق تصريحات كوهين لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.
وكانت وزارة الخارجية الليبية بالحكومة الليبية المنتخبة من البرلمان الليبي ومقرها بنغازي اول من اصدر موقفا ضد اللقاء اول امس الاحد ليلا، وأعلنت فيه ادانتها الصريحة للقاء التطبيع مع وزير خارجية دولة إسرائيل، واعتبرته "خطوة في تجاه التطبيع المرفوض"، وأكد بيانها "ان القضية الفلسطينية كانت وستظل القضية المركزية للشعب الليبي ولكافة احرار العالم حتى استرجاع الحقوق الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف." وأضاف "وأن أي خطوات أحادية الجانب، هي خطوات مشبوهة ومرفوضة ولا تمثل الشعب الليبي من قريب او بعيد."
على إثر ذلك، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد محمد البيبة ومقرها في طرابلس الغرب مساء يوم الاحد الماضي قرارا تحت الرقم (368) لسنة 2023 تضمن أولا توقيف الوزيرة المنقوش عن العمل مؤقتا (احتياطيا)؛ ثانيا تشكيل لجنة تحقيق برئاسة وزيرة العدل وعضوية وزير الحكم المحلي ومدير إدارة الشؤون القانونية والشكاوي بمجلس الوزراء لكشف ملابسات اللقاء المشبوه والمرفوض. بيد ان الدبيبة إضطر مرغما صباح أمس الاثنين بإقالة الوزيرة، التي هربت الى تركيا سرا وتحت جنح الظلام اول امس، بعد ان تناثر الدخان الأسود عن لقائها المرفوض والمشبوه، والذي يعكس تورطها ومن يقف خلفها في تنفيذ مآرب اسيادها في واشنطن وتل ابيب وغيرها من العواصم، بعد خروج الجماهير الشعبية الليبية فجرا امام مقر مجلس وزراء حكومة الدبيبة في طرابلس الغرب، العاصمة الليبية، واشعلوا الحرائق، ورددوا هتافات داعمة للقضية الفلسطينية، ورافضة لاي تواصل ليبي مع حكومة إسرائيل.
وكانت الجماهير الليبية خرجت في مظاهرات عفوية في مدن مصراته والزنتان وصرمان والزاوية، فضلا عن طرابلس العاصمة فور انتشار خبر اللقاء التطبيعي المشبوه بين الوزيرة المنقوش والوزير كوهين الإسرائيلي، وترافقت المظاهرات مع حملة شعبية قوية في مواقع التواصل الاجتماعي ضد اللقاء الاستسلامي والرخيص.
وادعت بعض أصوات وزارة الخارجية في حكومة الدبيبة (الوحدة الوطنية)، بأن الوزيرة ترفض اللقاء مع الإسرائيليين، ولكن لقائها جاء عرضا وبالصدفة المحضة في ايطاليا، ولم يكن معدا له. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية ردت وبقوة على أكاذيب موظفي خارجية الوزيرة الهاربة، واكدت ان اللقاء اعد له اعدادا مباشرا وبالتنسيق مع الليبيين ومع وزارة الخارجية الإيطالية، التي رعت واحتضنت اللقاء.
بالنتيجة فإن الجماهير الشعبية العربية الليبية البطلة أكدت وفاءها، وتمسكها بقضية العرب المركزية، ومنعت أدوات وصناع الغرب من الانجراف في متاهة التطبيع المجاني والمشبوه، الذين اعتقدوا ان اللحظة الراهنة باتت مؤاتية للانزلاق في دوامة الاستسلام، وتنفيذ مآرب أميركا وعربها ومسلميها، وقلب معايير ومحددات واولويات مبادرة السلام العربية، وافترضوا ان الشعب الليبي غارق في همومه الداخلية، ولن يتوقف امام اية عملية تطبيع، وبالتالي إداروا الظهر لمصالح الشعب الليبي والشعب الفلسطيني ومقررات القمم العربية. بيد ان حساباتهم باءت بالفشل، وكانت الجماهير لهم بالمرصاد. وتكمن اهمية تجربة الجماهير الشعبية الليبية في إمكانية تحفيزها للشعوب في الأقطار العربية والإسلامية التي غرقت في مستنقع ما يسمى "السلام الابراهيمي". شكرا للشعب الليبي الشقيق ونخبه الوطنية والقومية، وباباي نجلاء المنقوش، لعل كوهين وتاجاني وبلينكن ينفعوك.