غالانت.. "وهَلْكَم أرزة العاجقين الكون"
الكاتب: نبيل عمرو
الجنرال يوآف غالانت هو العسكري الأوّل في إسرائيل، أي وزير الدفاع في حكومة بنيامين نتانياهو.
تمّت إقالته قبل أشهر قليلة، عقاباً له على اختلافه مع رئيسه في كيفية معالجة أزمة القضاء المستمرّة حتى الآن، وانعكاساتها على الجيش الذي قام عدد لا بأس به من ضبّاطه، وخصوصاً في سلاح الطيران، بالامتناع عن التدريب، احتجاجاً على توجّه الدولة العبرية نحو الديكتاتورية.
جرّاء إقالته من قبل نتانياهو حدثت انتفاضة شعبية صغيرة، احتجاجاً على تعسّف نتانياهو، وتأييداً لعقلانية وزير الدفاع. وأمرٌ كهذا لا تفوّته المعارضة التي امتطت صهوة الإقالة، ودعت نتانياهو إلى التراجع الفوري عنها. وهذا ما كان أخيراً.
إذاً يُعتبر غالانت من العقلاء القلائل في البناء الحكومي الإسرائيلي المكتظّ بالمجانين أمثال سموتريتش وبن غفير وكثيرين غيرهما داخل الحكومة وحول مائدة القرار.
الجنون هو القاعدة
في إسرائيل الجنون هو القاعدة، والعقلانية هي الاستثناء. كان استثناءً من غالانت أن يتحفّظ على معالجة نتانياهو لأزمة القضاء. وما يؤكّد نظريّة القاعدة والاستثناء أنّ العاقل في الشأن الداخلي هو المجنون في شأن آخر. وهذا ما فعله غالانت بعد أن لم يعد مطروداً من وزارة الدفاع، بل صاحب مهمّة أساسية وشريك في القرار.
غالانت.. أحبّ جملة ردّدها عدّة مرّات بشأن لبنان. فقد هدّد وهو يقوم بجولة تفقّدية على الحدود بأن يعيد لبنان إلى العصر الحجري، وهي جملة لو قالها غيره لفُتحت عليه أبواب جهنّم، ولقيلت فيه أقبح الأوصاف. فالرجل يهدّد بإبادة جماعية لبلد وشعب وتاريخ وحضارة.
غالانت صاحب جملة إعادة لبنان إلى العصر الحجري، وإن قالها بلهجة التهديد والوعيد والتباهي، إلا أنّ الحقيقة الأهمّ أنّه قالها لجنود وضبّاط يحتاجون إلى إعادة الثقة بالنفس، بعد الخلخلة العميقة التي اجتاحت الجيش
لبنان ونحن نعرف كم لدى غالانت من قدرات تدميرية، بعضها جرّبناه على جلودنا والبعض الآخر عرفناه في الزمن الذي لا أسرار فيه.
نعرف أنّ لدى إسرائيل مفاعلاً نووياً أنتج قنابل جاهزة للعمل، ولديها قدرة على تدمير الشرق الأوسط عدّة مرات.
ونعرف أيضاً أنّ لدى إسرائيل سلاح طيران تمّ إعداده ليس لقصف لبنان وفلسطين وسوريا، وإنّما ليضمن تفوّقاً دائماً على كلّ الأسلحة والجيوش في المنطقة.
ونعرف أيضاً أنّه في إسرائيل يوجد المخزون الاستراتيجي الاحتياطي لذخائر الجيش الأميركي، وبوسع إسرائيل استخدامه حين الضرورة، والأمر لا يحتاج إلا إلى إذن من البنتاغون. وحدث أن احتاجت وأخذت.
ونعرف أكثر.. نعرف أنّ من غير المسموح به أميركياً وأطلسياً أن يُكسر ولو قليلاً ميزان القوى العسكري في المنطقة في غير مصلحة التفوّق الإسرائيلي، فكيف الحال مع لبنان وفلسطين، وهما كيانان صغيران. إلا أنّهما ما يزالان يجسّدان الصداع الدائم لإسرائيل، على الرغم ممّا تملك من قوة عسكرية وتحالفيّة وتكنولوجية واقتصادية!
غالانت والعصر الحجري
غالانت صاحب جملة إعادة لبنان إلى العصر الحجري، وإن قالها بلهجة التهديد والوعيد والتباهي، إلا أنّ الحقيقة الأهمّ أنّه قالها لجنود وضبّاط يحتاجون إلى إعادة الثقة بالنفس، بعد الخلخلة العميقة التي اجتاحت الجيش، والتي جعلت كثيرين من قادته يتخوّفون ممّا هو أكثر خطراً، وهو ما يتهدّد روحه المعنوية وانضباطه وأداءه.
في إسرائيل حديث متصاعد عن حرب أهلية محتملة.
وفي إسرائيل خوفٌ حقيقي يجتاح الغالبية التي تحتشد بلا كلل أو ملل، في تظاهرات أسبوعية تضمّ مئات الألوف. فهم يخافون من عودة إسرائيل إلى عصر اللاديمقراطية واللاتعدّدية واللاحضارية، وحينها يكون غير منطقي الادّعاء بأنّها واحة الديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط.
لدينا، أو لدى لبنان بالأصحّ، ردّ بليغ وحقيقي ومنطقي على تهديدات غالانت وعصره الحجري، وهو جملة تكمل العنوان.
لبنان، شو لبنان، هَلْكَم أرزة العاجقين الكون. ومِن قبل ما في "إسرائيل" كان هَوْن.