استقالة اشتية
الكاتب: صلاح الدين موسى
على ما يبدو ان استقالة رئيس الوزراء محمد اشتيه هذه المرة حقيقة وجادة، الرجل وعلى ما يبدو لا يريد ان يتراجع عن استقالته التي يقال انه قدمها رسميا للرئيس منذ تاريخ 15/7/2023. المرجح ان يقبل الرئيس استقالته في مطلع الاسبوع القادم و/او سيعيد تكليفه للتعديل على عدد من وزراءه!
ان وافق الرئيس على التعديل على حكومة اشتيه فانه من المطلوب ان يمنحه ايضا صلاحيات حقيقة وعملية لادارة الشأن العام . بعيدا عن اسباب الاستقالة فان حكومة اشتيه مرة بظروف صعبة وغير عادية، وبقاءها لهذه المدة بحد ذاته ملفت للنظر فهي الحكومة الوحيدة التي عانت من حصار مالي كامل وانخفضت المساعدات الدولية بشكل غير مسبوق، وبعهد الحكومة زادت اسرائيل من حدة اقتطاعاتها من اموال السلطة، وبعهدها انتشرت جائحة كورونا، وزادت وتيرة الاستيطان وتعمق الانقسام واصبح اكثر سوء وخطورة على شعبنا.وبعهد الحكومة ازداد الفلتان وارتفعت نسبة جرائم القتل وزادت اسرائيل من قتلها لابناء شعبنا،وحرقت حوارة ودمرت جنين ومخيمها، يسجل للحكومة انها لم تمارس القمع بحق المعلمين رغم ان ازمة المعلمين كادت ان تعصف بالنظام السياسي برمته.
نشأت حكومة موازية لدى مراكز النفوذ بمكتب الرئيس، واصبح لدينا حكومتين داخل السلطة ذاتها ناهيك عن حكومة غزة لان رئيس الوزراء ومنذ ان دخل مكتبه رفع شعار عدم الاختلاف مع الرئيس و/او الاختلاف مع الطاقم المحيط به حيث اعتبر ان السبب الرئيس للاطاحة بحكومة الحمد لله كان خلاف الاخير مع مراكز النفوذ حول الرئيس. لذا وتحت عدم رغبته بالاختلاف مع الرئيس و/او الطاقم المحيط به اصبح رئيس الوزراء غير قادر على احداث تغييرات حقيقية وعميقة، مع الوقت تاكل نفوذه لدرجة انه مع مرور الوقت فقد نفوذه على عدد من وزراءه وعلى المحافظين وعلى عدد من مدراء الاجهزة الامنية وعدد من المؤسسات العامة وحتى في اضيق دوائره لم يتمكن من احداث اي تغيير ، فكلما ازدادت الازمات كلما فقد من قدرته على التاثير لذا رأينا جميعا كيف اصبح التعديل على قوانين السلطة القضائية دون ان تكون الحكومة في صورتها وعدل قانون المحكمة الدستورية دون اي تدخل من الحكومة ثم عين قضاة المحكمة الدستورية من خلال حكومة الظل في مكتب الرئيس وعين من قبله رئيس مجلس القضاء ودخلت الحكومة بازمة الرسوم القضائية نظرا لمصادقتها على جدول رسوم ارسل لها من مجلس القضاء!! وعين السفراء دون مصادقة حتى وزير الخارجية ذاته، وكلما اعلن عن حزمة مشاريع وجد وزير المالية غير متفاعل مع وعودات رئيس الوزراء فبدى وكانه غير قادر على تنفيذ ما وعد به فزداد فقدان الثقة به وبحكومته وبتصريحاته، وبات امام مسمع الجميع تحصل امور ملفته للانتباه حتى ان رئيس الوزراء لم يرافق الرئيس بالطائرة التي نقلته الى جنين ، كما ان الرئيس لم يطلب من رئيس الوزراء مرافقته الى اجتماع القاهرة. كان واضحا ان هناك مسارين داخل السلطة مسار الحكومة التي يقودها اشتية ومسار الحكومة التي تقود الامن والمال والمفاوضات والسياسة والسلك الدبلوماسي وهي حكومة الظل .
ان تشكيل حكومة بذات معايير حكومة اشتيه سيكتب لها الفشل فان كان ولا بد من حكومة جديدة في ظل تردي الاوضاع الامنية الداخلية سواء في الضفة و/او في غزة وفي ظل الهجمة الاسرائيلية غير المسبوقة وفي ظل انقطاع المساعدات العربية والدولية وفي ظل انتشار مظاهر الغضب الشعبي في الضفة وغزة على الاداء الرسمي فان اي حكومة قادمة يجب ان يكون على رأسها احد افراد حكومة الظل في مكتب الرئيس كي لا يتكرر ما حصل مع اشتيه ويتوقف التنازع على الصلاحيات وحتى لا يتحول المستشارين واصحاب النفوذ والموظفين لصناع قوانين واصحاب نفوذ وصناع قرارات سياسية وتشريعية وخدماتية.
ان من ياتي للحكومة يجب ان يتمتع بالصلاحيات التي كانت لدى كل من الدكتور سلام فياض والدكتور رامي الحمد لله. كانت حكومة رامي الحمدلله من اكثر الحكومات نفوذا وتاثيرا، لم يكن الدكتور رامي يثنيه اي مصدر من مصادر النفوذ عن تنفيذ قراراته، فالمحافظين كانوا تحت قيادته ومدراء الاجهزة الامنية كانوا يجلسون على طاولته وتحت امرته حيث اصدر لهم التعليمات ونفذت العديد من القرارات وكان متواصلا مع الرئيس واضحا في سياساته.
نريد حكومة قادرة على الاستجابة للتحديات الامنية لمواجهة حالة الفوضى والفلتان المنتشرة حتى ان حالة الفلتان طالت عدد من ضباط الاجهزة الامنية ووصلت الى حد اطلاق النار على منازلهم ولم تفعل السلطة شئ، وكذلك لا بد من اعادة فتح قنوات التمويل المالية ووقف ظواهر التعيينات لاصحاب النفوذ في المواقع المختلفة، ووقف اصدار القوانين واعادة سحبها حيث ان الرئيس خلال المدة الماضية اصدر اكثر من عشرة قوانين واعاد سحبها، وعلى الحكومة ان توقف الانهيار في المنظومة القضائية والبحث عن اجراء انتخابات حرة في اقرب وقت ممكن، ونزع فتيل مراكز القوى والتركيز على ملف قطاع غزة ومحاولة ايجاد اطار اقتصادي جامع قادر على المساهمة بصمود شعبنا.على الحكومة الجديدة ان تحسم مسألة الامن الشخصي والجمعي وان تفصله عن مفهوم اسرائيل وامريكا لمفهوم الامن.
ان تمكنت الحكومة الجديدة من فتح ملفات عدد من القضايا التي تسببت بكوارث قانونية ومالية واقتصادية وامنية على شعبنا وحاسبت من قام بذلك عندها سنكون امام مرحلة جديدة!
ما نحتاجه الى معجزة للخروج من هذه الكارثة التي نعيش، فان اراد الرئيس ان يسجل لنفسه انجاز فعليه ان يتخذ قرارا حقيقيا باجراء التغيير الحقيقي واعطاء الصلاحيات الكاملة والشاملة لاي رئيس حكومة جديد والا فان الازمات ستبقى وتتعمق والكارثة ستطول كافة الفئات وسندفع جميعا الثمن. نريد حكومة قادرة امنيا وسياسا واقتصاديا وحياتيا تعزز من صمود الناس وتعطي الامل بالعمل لابناء شعبنا، بغض النظر عن اسم رئيس الوزراء!