كيف نبوح بسر زيت الزيتون الفلسطيني المقدس الذي لن يُتوج ملك بريطانيا إلا بمباركته؟
الكاتب: مكرم خُوري
تستند العائلات الملكية على القوة الرمزية للطقوس والتي تشمل الموسيقى والألوان البرّاقة والمواكب التي ترافقها الخيول لتعرض كولاج (مشهدا مرصوصا شاملا) وذلك لفرض قبولها وبأساليب فنية جمالية على قطاعات واسعة من الشعب. هو الأسلوب ذاته الذي شرحه بإسهاب كل من الفيلسوف الإيطالي انطونيو غرامشي ( 1891-1937)عندما وصف ضرورة وجود قيادة فكرية – ثقافية والفيلسوف الفرنسي رولاند بارت ( 1915-1980) في كتابه “أسطوريات” (ميثولوجيز). ولإضفاء هالة كاريزمية تؤدي الى القبول والطاعة عادة ما يتم في كل عملية تتويج نسج خيط يوحي بالصلة المباركة للملكة أو الملك المتوج بقوة نبوية – إلهية مقدسة.
في بريطانيا، سيكون تتويج تشارلز الثالث في نهاية الأسبوع ( 06-08 /5/2023) حدث عالمي قد لا يقل عما شهده العالم أثناء وفاة والدته الملكة اليزابيث الثانية. في صلب عملية التتويج التي ستقام في كاثيدرائية “وويستمينستر أبي” طقس ديني يقوده رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية (الإنجليزية) إذ سيُبارك “البابا” مُتوجا تشارلز الثالث بمسحه زيت الزيتون الفلسطيني الذي تم تقديسه في كنيسة القيامة في القدس المحتلة وهي أهم كنيسة في العالم إذ انها موقع تعذيب السيد المسيح وصلبه ودفنه وقيامته. ولن يتم التتويج إلا عندما يُمسح تشارلز وكاميلا بزيت “الميرون” المستخرج من زيت الزيتون الفلسطيني.
وقد تم تقديس الزيت بمشاركة لفيف من رجال الدين في فلسطين ومنهم غبطة بطريرك القدس الارثوذكسي ثيوفيلوس الثالث والمطران الفلسطيني حسام نعوم رئيس الأساقفة الأنجليكاني (سانت جورج) في القدس والذي سيشارك في حفل التتويج إذ سيسلم الزيت الذي تم حمله من القدس لرئيس اساقفة كانتربري نيافة المطران جاستين وويلبي ( وهو في مكانة بابا الكنيسة الانجليكانية في العالم). وتعد هذه مسحة الزيت المباركة أولى خطوات تتويج ملك بريطانيا. وقد تم إنتاج الزيت الخاص الذي سيُستخدم في حفل تتويج ملك وملكة بريطانيا باستخدام زيت الزيتون من كروم الزيتون الفلسطينية المقدسة والواقعة في جبل الزيتون بالقدس وبالتحديد من كرم دير مريم المجدلية وكرم “دير الصعود”. وما يربط تشارلز بالقدس وفلسطين شخصيا هو أن دير مريم المجدلية هو أيضا مكان دفن جدة الملك تشارلز من طرف والده (الأميرة أليس اليونانية).
وقد تم انتاج زيت التتويج الملكي عندما تم عصر الزيتون بالقرب من مكان مولد السيد المسيح في مدينة بيت لحم (كنيسة المهد). وقد تم تعطير هذا الزيت بالمواد الأساسية من زيوت السمسم والورد والياسمين والقرفة وزهر البرتقال والعنبر. ويعود أصل وتاريخ “زيت الميرون” إلى استعماله لأول مرة لتعطير كفن السيد المسيح في القبر المقدس في كنيسة القيامة في القدس.
إن كنا من مناصري أم معارضي الملكية مبدئيا أو من مؤيدي سياسات السياسات الخارجية لبريطانيا أم من مندديها فيجب ان ننظر الى الصورة الإعلامية بإطارها الأكبر والأوسع وليس من منطلق مصلحة شخصية فئوية. علينا كعرب وفلسطينيين ربط قضيتنا الفلسطينية في كل مناسبة وذلك للضغط لصالح قضيتنا وتعميق الوعي لاستمالة الجماهير الواسعة بين كل الشعوب لتشكيل رأي عام ضاغط على متخذي القرار السياسي.
وبما ان الوجود الفلسطيني سيكون مركزيا وذلك بحضور الأسقف الفلسطيني حسام نعوّم فإن أقل الإيمان هو أن يطلب الفلسطينيين عبره وعبر منابر أخرى من الملك تشارلز الثالث والذي له علاقات وطيدة مع يهود وصهاينة واسرائيليين في جهاز الاحتلال الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للتوقف عن اقتلاع شجر الزيتون ( وذلك أضعف الايمان) لمكانته الرمزية ودوره في الروح الجمعية للشعب الفلسطيني وصحته واقتصاده، وأيضا لكي ( على الأقل) يتبقى زيتا لتتويج ورثة تشارلز مستقبلا. صحيح أن القضية الفلسطينية هي قضية حق وعدالة إلا أن هذا لا يتحقق (في وضع هيمنة الغاب الصهيو-أمريكية) بدون معارك متتالية ومستمرة وبمقدمتها المعركة الثقافية (الأكاديمية والإعلامية). في يد الفلسطينيين أقوى “ورقة” تسويقية في العالم….وهي بشارة (كنيسة البشارة في الناصرة) ومهد (كنيسة المهد في بيت لحم) وقيامة (كنيسة القيامة في القدس) السيد المسيح، أول شهيد فلسطيني وأشهر إنسان حيّ الرمزية وبقوة يومية في التاريخ البشري… هذا “الكرت” يجب ان يتم استعماله صباح مساء كسيمفونية فلسطينية ثابتة لكسب الرأي العام العالمي.
مكرم خُوري – مَخُّول
أكاديمي فلسطيني – بريطاني