سقوط منطاد طروادة
الكاتب: سناء الشرافي
أنشغل العالم منذ أيام بالمنطاد الصيني الذي حلق لأيام في سماء الولايات المتحدة، وتسبب في إغلاق ثلاثة مطارات بولايتي كارولينا الشمالية و الجنوبية لعدة ساعات، و قال وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن إن الصين إستخدمت المنطاد لمراقبة مواقع استراتيجية في الولايات المتحدة وبحسب البيت الأبيض فإن المنطاد الصيني حلق في سماء ولاية مونتانا التي تضم عشرات صوامع منصات إطلاق الصواريخ النووية البالستية وقواعد القاذفات الأستراتيجية البعيدة المدى.
حادثة المنطاد الصيني تسببت في إلغاء زيارة وزيرة الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين و التي كانت مقررة في الخامس والسادس من الشهر الحالي، وصرح الوزير الأمريكي بأن بلاده واثقة بأن المنطاد الصيني يستخدم لأغراض تجسسية في حين تصر بكين على أن تحليق المنطاد في الأجواء الأمريكية حادثة عرضية خارجة عن التحكم.
هذا السجال الساخن أنهته مقاتلة أمريكية من طراز أف 22 أطلقت صاروخاً على المنطاد فتهاوى قبالة سواحل كارولينا الجنوبية غير أن واشنطن تعتقد أن المنطاد الصيني واحد من أسطول مناطيد تجسس صينية تجوب الفضاء.
حادثة المنطاد أثارت عدة تساؤلات هل فعلا المنطاد الصيني في مهمة تجسس على الولايات المتحدة؟ وإذا كان كذلك أليس هذا إستهتارا من قبل الصين برد فعل وقدرات واشنطن؟ و لماذا تأخرت واشطن في إسقاطه؟ و ما نوع التكنولوجيا التي يحملها المنطاد الصيني؟ هل فعلا الصين فقدت التحكم في المنطاد؟
أسئلة مشروعة تظهر إجابات عليها خلال الأيام المقبلة بعدما يجري الخبراء الأمريكيون فحصا دقيقا لحطام المنطاد المتناثر في المحيط الأطلسي. و قد تضخم الولايات المتحدة من خطورة المهمة التي حلق من أجلها المنطاد الصيني في سماءها، وقد تتبنى الرواية الصينية التي أكدت أن المنطاد يستخدم لأبحاث متعلقة بالطقس، وهذا يعتمد على سؤال جوهري هل فعلا واشنطن معنية بالتصعيد مع الصين في المرحلة الحالية؟
كما أن إستخدام صاروخ طائرة مقاتلة من نوع أف22 لإسقاط المنطاد قد يعقد مهمة الخبراء الذين سيعملون على فحص مكوناته، والمعلومات التي جمعها، فحجم الأنفجار كفيل بتخريب الأدلة التي تحدد مهمة المنطاد خاصة وأن واشنطن تحرص دائماً على كشف مستوى التكنولوجيا الذي وصلت إليه الصين؟ وهذا ما يجعلنا نتوقع أن واشنطن تريد أن تحقق مكاسب سياسية على المستويين الداخلي والخارجي من وراء قضية المنطاد.
فإظهار الصين كدولة تتجسس على بلدان العالم، ولا تحترم سيادة الدول يعزز فكرة سعي بكين للهيمنة على العالم و ضرب الديمقراطيات في الدول المتقدمة، ويثير عداءاً متنامياً للصين تستفيد منه واشنطن في توسيع تحالفاتها ونشر المزيد من القواعد العسكرية، وتحديدا في أسيا ورفع صادراتها من الأسلحة كما يعطي واشنطن حق تشديد المراقبة على الصين التي قد تجد نفسها مجبرة على تقديم تنازلات لواشنطن على غرار الإدانة الواضحة للهجوم الروسي على أوكرانيا و تقليص المناورات العسكرية على حدود تايوان.
على الصعيد الداخلي أبدى الرئيس جو بايدن صرامة تنسجم مع مطالب الجمهوريين بالتحرك ضد ما وصفوه بالإستخفاف الوقح بالسيادة الأمريكية من قبل الصين كما أن قضية المنطاد شغلت الإعلام الأمريكي ولو لفترة عن قضية التحقيق في الملفات السرية التي عثر عليها في منزل بايدن في ويلمنغتون بولاية ديلاويلر. كما أن التصرف بحزم مع بكين قد يرفع مؤشر شعبيته ويعزز حظوظه في الترشح لولاية ثانية، هذا إضافة إلى أن قضية المنطاد وحدت الأمريكيين بعد موجة الغضب الشعبي من بعض الممارسات العنصرية لعناصر الشرطة.
في كل الأحوال سقط منطاد طروادة، وستدفع الصين ثمن هذا التجاوز المقصود أو غير المقصود، وستنحني للعاصفة حتماً ولن تدخل في مواجهة علنية مع واشنطن لكنها في نفس الوقت ستقف على حجم رد فعل واشنطن و حلفاءها.