اليوم الخامس للإضراب
الكاتب: طارق عسراوي
قد فرقوهم إلى زنازين العزل، وقفوا في السابعة صباحاً كي يتفقّدهم حراس السجنِ، كلٌ من زنزانته، بعد العدَدِ جاءت حملة التفتيش.
ماذا يعني اليوم الخامس للإضراب؟
يعني أن يأتي السجان ليجري تفتيشاً مرتبكاً، ويصادر مقتنيات الأسرى، ويقوم بـِ "تكنيس" الزنزانة، أي يسحب منها كل المقتنيات ويُبقي فقط الفرشة والوسادة.
يعني أيضاً أن تنقطع الأخبار، وتبث شائعات العزلة: لا أحدَ يؤازركم!
كثيراً سوف يقول السجان لهم: لا أحد يؤازركم.
أما الأسرى، فقد اعتادوا هذا النهج من السجان، وكانوا قبل الأسر جزءاً من حملات الدعم لإضراب الأسرى، فيجيبه أحدهم بسخريةٍ: شو الـ "Menu“ اليوم ؟
ففي اليوم الخامس، يصبح الإضراب رسمياً، معركة الجوع، وتبدأُ خيم الإسناد في المدنِ، ويصير الإضراب همّاً جمعياً ومظاهرة.
في اليوم الخامس للإضراب، تسقطُ الأحزاب، وتصير فلسطين الجامعة لكل الطيف، نقفز فوق اللون، وفوق الحزب، ويصبح الأسير المضرب ابن الأمهات جميعهنَّ، ومثل العشب ينبت اسمه في الدعاء.
ماذا يعني أيضاً؟
يعني أن يهدأ إيقاع النبض ويَخفّ، أن يمتدَّ صداع اليوم الرابع، يشتدَّ ويخفّ.
يعني أن الجسد يتهدهد مثل قارب ورق فوق الماء، يعني أنّ الجسدَ اعتاد الجوع وقيّد ذئب الغريزة.
يعنى أن الأسرى في هذا اليوم عَبَروا منطقة التردد، وتمرّسوا أدوات الإضراب، ولذا ارتفعت روحُ النديّة وأدركوا المعركة.
يعني ذلك، أيضاً، أن تمتلئ الزنزانة بروائح الأطعمة، وتمدَّ الأطباقُ الساخنةُ كلماتٍ مطهوّةً، هذا يصفُ اللحم المطبوخَ بمرق، ذاك يتذكّرُ مائدة الإفطار في بيت العائلة وخبز الصبح الساخن مغموساً بالزعتر.. أما المدخِّن، فيُعاندُ رغبته ويردد: أخ على سيجارة بعد المنسف، وبيده يمسح فمه بعد الأكل، وأعني الكلمة.
ماذا يعني اليوم الخامس للإضراب؟
يعني أنّ حديثاً همساً بين الأسرى في الأقسام يُحضِّرُ أجساداً أُخرى للإسناد، ويعني أن الملح يصير بمرتبة الذهب، يُخفي عن عين السجّان ليخفّف من ثقل الماءِ ورائحة الأمعاء.
يعني، أيضاً، أن يُخفي كلٌّ أسير صورة ضعفِ الإنسان بغطاء الليل، قد يبكي ألماً مكتوماً، قد يهمِسُ شوقاً للحبيبة، قد يُغمضُ عينيه وثيرانُ الشوقِ تصارع هذيان الجسد المرهقِ.. وينام!
في اليوم الخامس، يبدو الإضراب طويلاً، ويصير الوقت بطيئاً.. ثقيلاً، ويصبح النومُ هدفاً صعباً!