فلسطين ما بين صندوق النقد الدولي وعضوية الامم المتحدة
الكاتب: فادي أبو بكر
اختتم فريق من خبراء صندوق النقد الدولي يوم 28 آب/أغسطس 2022، زيارته إلى فلسطين، بعد أسبوعين من المناقشات التي أجراها مع رئيس الوزارء الفلسطيني د. محمد اشتية ووزيري المالية والاقتصاد الوطني، ومحافظ سلطة النقد، وأعضاء آخرين في الفريق الاقتصادي الفلسطيني، بهدف تقييم التطورات الاقتصادية الأخيرة في الضفة الغربية وغزة.
وبحسب البيان الذي أدلى به رئيس البعثة ألكسندر تيمان بتاريخ 29 آب/أغسطس 2022، فإن "الاقتصاد الفلسطيني يواجه تحديات هائلة، وسيتطلب التغلب على هذه التحديات تنفيذ إصلاحات طموحة في الإنفاق تتمحور حول فاتورة الأجور وصافي الإقراض إلى جانب مواصلة توسيع القاعدة الضريبية، وحثّت البعثة إلى إحراز المزيد من التقدم على صعيد التعاون بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني".
كم تبدو غريبة الشروط والمطالب التي وضعها صندوق النقد الدولي، وكأنه يتعامل مع فلسطين على أنها دولة مستقلة ذات سيادة فعلية على الأرض، متناسياً وهو وكالة متخصصة من وكالات منظومة الأمم المتحدة، أن الأخيرة لا تزال تعترف بفلسطين كدولة بصفة مراقب وليست كاملة العضوية، وأن فلسطين ما زالت ترزح تحت آخر وأطول احتلال في العالم.
يمكن استيعاب هذه الشروط فلسطينياً، إذا كانت فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، لا سيّما وأنها شروط تتعلق بالتعاون الاقتصادي، حيث وقتها فقط يمكن لفلسطين أن تقرر الدخول في اتفاقيات تعاون مع أيّا كان من الدول المجاورة أو غيرها.
ومن الجدير ذكره، أن بيان الصندوق الدولي قد أعتبر الخصم الإسرائيلي من أموال المقاصة الفلسطينية مسألة خلافية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول حجم الإيرادات الذي يتعين على إسرائيل تحويلها للسلطة الفلسطينية، متغافلاً عن كونها جريمة قرصنة وسرقة علانية لأموال الشعب الفلسطيني والتي تخالف تماماً القانون الدولي وتشكل خرقاً فاضحاً للاتفاقيات الموقعة.
وفي نفس السياق، فإن توصية الصندوق بضبط الإنفاق وتوسيع القاعدة الضريبية في فلسطين، في ظل الوضع المعيشي الصعب، والغلاء وارتفاع الأسعار، والرواتب الزهيدة، هي شروط لإلهاء الشارع الفلسطيني عن مسيرة النضال التحرّري من خلال إغراقه في مشاكل وأزمات مالية واقتصادية، وجعله لا يفكّر إلا في قوته.
وتأتي زيارة الصندوق الدولي، وما تبعها من مطالبات وشروط، بالتزامن مع الحراك الذي يقوده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدةعلى هامش الدورة السنوية العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر 2022 القادم، لتقودنا إلى افتراض استنتاجي مفاده، أن سياسة الصندوق هي سياسة ابتزاز وضغط تجاه الشعب الفلسطيني، يغلب عليها الطابع المؤامراتي مع الكيان الإسرائيلي، إذ أن تنفيذ هذه السياسة سيقود إلى تأزم الأوضاع أكثر على مستوى الشارع الفلسطيني، وزيادة التبعية لإسرائيل وتقويض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
يعود انعكاس الأزمة المالية الحكومية الفلسطينية المباشر على المجتمع بكافة تمثلاته إلى خصوصية الوضع الاقتصادي الفلسطيني، الذي بات يعتمد على فرضية التدهور السياسي، إذ تصبح الأزمة التي تصيب السلطة عامة تؤثر على كافة فئات المجتمع، وإن كانت نسبة التضرّر تختلف من فئة إلى أخرى.
وعليه فإن الأصل أن تتّبع القيادة الفلسطينية منهجاً توفيقياً ما بين "الإقتصادي" و"السياسي"، دون تغليب أحدهما على الآخر، وأن يكون هذا المنهج حاضراً في الخطة الفلسطينية لحماية المشروع الوطني والتي تشكّل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة إحدى مفاصلها.