عن جامعات فلسطين وأزمة البحث العلمي
الكاتب: أكرم عطالله
لا يرد اسم فلسطين في التصنيفات العالمية لأفضل 500 جامعة فيما يرد اسم الجامعات الإسرائيلية في أول مئة جامعة، كيف ولماذا هذه الفجوة الهائلة ؟
والسؤال هنا ليس عن تقدم جامعات إسرائيل، بل عن تأخر جامعات فلسطين.
هنا السؤال له خصوصية كبيرة لأن الشعب الفلسطيني بعد النكبة وضياع كل شيء لم يجد سوى التعليم ما يعيد تأهيله من جديد للحفاظ على ذاته وهو الحقل الذي وفر له العودة من جديد.
ما علاقة الجامعات الفلسطينية بالتنمية الاجتماعية وخدمة المجتمع ؟
هو السؤال الآخر الذي أورده الباحث غازي الصوراني في دراسة أصدرها قبل أيام محاولاً قراءة أوضاع التعليم الجامعي وأزماته وقدرة هذا القطاع على تقديم خدمات ليس فقط للطلاب.
وإن قدم الباحث ما يوجب النظر بالرسوم الدراسية المكلفة قياساً بمستوى المعيشة بل خدمات وطنية باعتبار الجامعات إحدى أبرز المؤسسات التي ينبغي أن تكون مرشداً لكل قطاعات المجتمع ومنارة التفكير الذي يشرف على هندسته ورسم خارطة طريقه.
السؤال وضعه الباحث حول مراكز الدراسات في الجامعات أو بالأحرى عن غيابها الفاقع إلى الحد الذي يلغي تماماً وظيفة خدمة المجتمع.
فالجامعات تضم عادة أفضل العقول البحثية وفي كل التخصصات لذا فإن الأمم الحديثة التي تنزع نحو الاختصاص تعتمد على مراكز الدراسات في الجامعات كواحدة من ركائز الدولة بل وعقلها الحي إذ باتت الجامعات مركزاً للاختراعات والاكتشافات والإشعاع على صعيد الفكر السياسي وفلسفة المجتمع وثقافته.
الجامعات الفلسطينية تكاد تخلو من هذا وهذا يمس أحد أهم وظائفها، وهذا ما يناقشه الباحث الصوراني في دراسته واضعاً إصبعه على خلل هائل ربما يعتبر أحد أسباب فوضى الأداء ليس فقط السياسي بل فوضى في المجالات كافة والتي بمجملها تفقد المجتمع والدولة دماغها الذي تفكر به لتصبح الحركة أقرب للعشوائية منها للنظام الذي تحتاجه المجتمعات وصيرورتها وتقدمها.هل يمكن أن تتقدم المجتمعات بلا عقلها؟
السؤال البارز في الدراسة استنتجه الباحث بحكم مكانته لعقدين كعضو مجلس أعضاء لجامعة الأقصى لمدة عقدين وعن قرب عن مساهمة أساتذة الجامعات في الإنتاج العلمي بما يخدم المجتمع.
وإذا كنا نشاهد أو نقرأ مساهمات لهذه الفئة في كل المجتمعات تكاد لا تعبر عن نفسها في الحالة الفلسطينية إذ يفترض على الأستاذ الجامعي أن يكون مرشداً في تخصصه حتى لو لم توجد مراكز دراسات، على الأقل يستطيع التعبير عن نفسه واختصاصه وكفاءته في ظل انتشار وسائل السوشيال ميديا ولكننا لا نشعر بذلك.
وبالعادة على المدرس الجامعي بعد مرحلة الدكتوراة أن يقدم دراسات وأبحاثاً للحصول على ترقية للوصول إلى درجة الأستاذية، لكن السائد ارتباطاً بما لم نسمع عنه من دراسات أضافت شيئاً أن تلك الأبحاث يتم التعامل معها لهدف واحد وهو الترقية وليس الإضافة في الاختصاص، وأن الجهد المبذول يبتعد عن وظيفته الأساسية، لذا ليس من المصادفة ألا يحظى أساتذة الجامعات في فلسطين بالقدر الذي يجب أن يكون.
وهذا ينطبق أيضاً على أبحاث تخرج الطلاب والتي يشرف عليها ويختارها ويناقشها الأساتذة لا تبتعد كثيراً عن السياق العام من حيث المضمون ومدى قدرتها على قراءة احتياجات المجتمع وتقديم أفكار، حيث باتت أقرب للحصول على الشهادة منها لإعمال العقل وإفادة الشأن العام والفكرة الجديدة.
وهذا يحدث في جامعات العالم حيث يتم توجيه الخريجين للبحث في مسألة تحتاجها الدولة أو مراكز الدراسات في الجامعة التي تتكئ في بعض أبحاثها على أبحاث الطلاب وهكذا يتم إنتاج الفكرة بين الطلاب ومركز الدراسات والدولة.
وإذا لم تكن الجامعات مركز تفكير المجتمع، وإذا كانت الجامعات تفتقر لمراكز الدراسات وإذا لم تعمل كعقل منتج للأفكار وإذا لم تساهم الأبحاث فيها في خدمة المجتمع فإنها تصبح ليس أكثر من مؤسسة تجارية استثمارية ينحصر دورها في بيع تعليم مقابل مبلغ مادي كأي شركة تجارية تقدم خدمة بالمقابل المادي، وحينها يصبح الحديث عن الدور والتفكير والرسالة الاجتماعية والوطنية والعقل الذي يدير الدولة جزءا من ترف فكري يمارسه باحث أو كاتب، وإذا كانت تكلفة تدريس طالب في الجامعة تساوي 25% من راتب والده حسب الدراسة تصبح تلك الخدمة باهظة الثمن وحين لا يكون لها مردود في الشأن العام تصبح المسألة جديرة بالقراءة وتطرح الكثير من التساؤلات حول هذا الاستنزاف لواحد وخمسين جامعة ومعهداً في الضفة وغزة منها 34 في الضفة و17 في غزة تكاد تنعدم فيها مراكز الدراسات.
الدولة مسؤولة عن هذا إلى حد كبير سواء لجهة التواصل والدعم والتمويل باعتبارها المستفيد الأول من الإنتاج المعرفي أو لجهة التمويل والاتفاق على مركز الدراسات ودعم الجامعات أو لجهة التدخل الزائد في ظل حالة الاستقطاب القائمة.
فقد أشار الباحث لضرورة عدم تدخل الدولة وأجهزتها الأمنية في التعيينات مقترحاً أن يتم انتخاب رئيس الجامعة من قبل هيئة الجامعة لضمان انتخاب الأكفأ وليس الأكثر موالاة، مشيراً إلى ظاهرة فريدة لم تحدث في العالم كما في جامعتين في غزة «الأزهر والإسلامية «تتحكم بهما أحزاب ويتم التحكم بالتعيين بينهما من قبل قوى سياسية تعتمد معيار الولاء وليس الكفاءة وهذا يسري على الكثير من الجامعات ولكن حين تخضع المسألة للانتخابات يصبح معيار الكفاءة هو الأهم.
عندما غادر مؤسس إسرائيل دافيد بن غوريون الحياة السياسية كان مطمئناً أنه «وضع قرار الدولة في يد مؤسسات الأمن القومي لا في يد هواة السياسة المتشاكسين» هكذا يكتب محمد حسنين هيكل.
ومن يتابع الشأن الإسرائيلي يعرف أن لكل مؤسسة أمنية مركز دراسات موجوداً في جامعة حيث الاعتماد على المتخصصين في كل قضية تنبغي دراستها، وهنا تكتشف أن إسرائيل الدولة تستند في قراراتها إلى آلاف من أساتذة الجامعات أصحاب التخصص وليس إلى الهواة، هل نقارن بما هو عندنا وكيف يصدر القرار؟
في إسرائيل وفي اجتماع الحكومة نجد رئيس الأركان الوحيد الذي يدخل حاملاً حقيبة وملفات فيما باقي الوزراء يدخلون أيديهم في جيوبهم، هذا يعني أنه جاء إلى الاجتماع حاملاً ما أنتجته مراكز دراساته الموجودة في الجامعات حتى يتم اتخاذ القرار بعد دراسته من قبل المتخصصين، كيف يتخذ القرار لدينا ؟ هل من قبل الهواة؟ سؤال حول دور الجامعات في صناعة القرار هل تعمل كعقل جمعي يستفاد منه أم كمؤسسات تجارية ؟
وبعد كل هذا هناك من يسأل لماذا لا توجد الجامعات الفلسطينية في أول 500 جامعة؟ هناك عقل لأي دولة وعقل لأي مجتمع فإما هو عقل تجاري أو عقل فكري وبينهما فارق كبير.....!!!!!