جدلية مسلسل "فاتن أمل حربي"
الكاتب: ريما كتانة نزال
قيمة أي مسلسل تلفزيوني تقاس بقدرته على تحقيق تفاعل الجمهور مع محتواه، وتحريكه الرأي العام، تأييداً أو معارضة للموضوع الذي يتناوله، بالاستناد إلى مقاربة وملامسة ما يطرحه لحقوق ومشاكل ومطالب المجتمع. هذا ما تحقق للمسلسل الدرامي المصري «فاتن أمل حربي» بامتياز، بسبب طرحه قصة خصومة المرأة العربية مع قانون الأحوال الشخصية، ومع الإجراءات الماراثونية المتبعة في المحاكم.
يتناول العمل الفني مرارة النساء المصريات اللواتي تتعرض حقوقهن للظلم والإجحاف دون أن يجدن التَفهُّم والحلول الشافية للوجع؛ بسبب الثقافة والمفاهيم الذكورية السائدة التي لا تتعاطى بموضوعية مع تقادم القوانين، وتعارضها مع المستجدات والاحتياجات المصيرية للمرأة، بل تتجاهلها عن قصد للدرجة التي تُغلق بإحكام باب الاجتهاد المشروع في وجه إجراء تعديلات قانونية أصبحت ضرورية، بسبب تمسك أصحاب القرار بالقديم المهترئ بسبب عدم صلاحيته، وإدارة ظهورهم للمطالب المحقة بالتعديل، خشية من فتح الصراع مع الجهات المتطرفة المناوئة للقانون.
رغم أن المسلسل يتعاطى مع قانون الأحوال الشخصية المصري، فإنه ينطبق على معاناة المرأة العربية في المنطقة العربية، ومعاناتهن الطويلة بعد الطلاق، بسبب القانون الذي يعود تشريعه إلى سنوات دون أن يتم تعديله ليناسب الوضع الحالي وتطوراته. يتناول العمل الفني معاناة بطلته مع طليقها وحضانة أطفالها بسبب ثغرات قانون الأحوال الشخصية التمييزية، ويتعرض لقضية حرمان المرأة الحاضنة من أطفالها إذا تزوجت من رجل آخر بما فيها انتقال الحضانة من الأم إلى الأب لدى بلوغ المحضون سنّاً معينة. حيث لم ترد نصوص صريحة بهذا الشأن في القرآن الكريم أو السنة النبوية، علاوة على اختلاف المذاهب حول الحضانة، الأمر الذي يبرهن على الحاجة إلى الاجتهاد انطلاقاً من الواقع. وبذلك يطرح علامة استفهام محقة حول صحة تحميل الدين مسؤولية اعتوار القانون، بينما المشكلة تنحصر برجال الدين الذي يحتكرون مهمة التعديل القانوني، وجعلهم الفقه في منزلة النص المقدس رغم اجتهاد الفقهاء لعصر وزمان آخر.
في العمل الفني كما في الواقع، ينقسم الرأي العام حول مضامينه، كما يختلف رجال الدين عليه. الاختلاف يمتد على منحنى قوس يقف على أحد طرفيه من اعتبر أن المسلسل ينتقد الدين، وبالتالي أخذ في تكفِير العمل الفني أو اعتبره يَسْخر منه، مبتعداً عن جوهر ما يطرحه المسلسل من انتقاد للقانون الذي صنعه بني البشر. بينما رأى من وقف على الطرف الآخر من القوس أن ما يطرحه المسلسل التلفزيوني هو انتقاد موضوعي للقانون الجائر بحق المرأة المطلّقة على وجه الخصوص، ويعبر عن مأزق القانون الذي انفصم عن واقع المجتمع، وبالتالي لا بد من أن يشهد حِراكاً ضاغطاً من أجل تعديله.
لقد أدى الفن واجبه كمرآة عاكسة لقضايا المجتمع، وعبّر عن التزامه بالقضايا المهمة المتعلقة بهموم العامة والشارع، وناقش قضية غاية في الأهمية تمس حياة الأسرة ولها أبعاد اجتماعية مؤثرة بشكل كبير على حياة الملايين من الأسر العربية من ناحية إجراءات التقاضي، وتفسيرات البعض للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة. الاختلاف حول القانون أمر طبيعي كعمل إنساني يقف المجتمع منه، تأييداً وتعارضاً، انطلاقاً من واقع إنساني أيضاً وفق محددات تتصل بالمصالح والخلفيات الثقافية، ومستوى الاطّلاع والمعرفة الحقوقية والتاريخية والدينية والاجتهادات الخاصة بالمذاهب المختلفة، وينطلق كذلك من الاعتراف والإقرار بالفرق بين النص الديني ونص القانون، وأن القانون عبر عن اجتهادات فقهية، خاصة في مواضيع طرحها العمل الفني والمتعلقة بحضانة الأطفال بعد الطلاق، وحالياً يدور النقاش حول الحضانة استناداً إلى المرجعيات الحقوقية تتعلق بالتحيز لمصلحة الطفل الفضلى، وليس لمصلحة أحد طرفَي الطلاق.
تُوبِعَ مسلسل «فاتن أمل حربي» في فلسطين كونه عبّر عن أزمة مثيلة تواجه قانون الأحوال الشخصية، تشبه الأصداء التي خلقها المسلسل المصري، حيث لم تتوقف المطالبة بإقرار قانون جديد للأحوال الشخصية يكون بديلاً للقوانين الأردنية والمصرية المتقادمة النافذة، وإعادة النظر بالقوانين التمييزية على قاعدة القانون الأساسي ومقاربة التطورات الاجتماعية والاقتصادية الجارية باطراد على أدوار كل من النساء والرجال، مستدعياً نظرة جديدة في عصر جديد، بعيداً عن الترهيب الذي شهده مسلسل واقعي يجري على أرض فلسطين لدى قيام المرأة الفلسطينية، ممثلة بأطرها التنظيمية، بطرح قضية وضع أو تعديل القوانين السارية أو انتقاد قانون الأحوال الشخصية الجامد منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل، في عالم فلسطيني متحول ومتغير.
«فاتن أمل حربي»، امرأة بسيطة تمثل النساء في بلادنا، أرادت تحقيق العدالة والإنصاف والكرامة. اكتشفت في المحاكم جوْر القانون وعجزه عن تحقيق الحياة الكريمة لها ولأطفالها، فرفعت قضية على قانون الأحوال الشخصية الذي التجأت إليه، وليس على زوجها المستفيد من عجز القانون وانحيازه وتقادمه، لأنّ من يضعه وينفذه ويحميه رجال مثله، قد يلجؤون إليه في يوم ما، لذلك يجعلونه متناسباً مع مصالحهم الذكورية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.