مكانة ودور المرأة الفلسطينية في الثامن من آذار
الكاتب: دلال عريقات
من الشجاعية وغزة مروراً ببيت لحم والخليل، أريحا والقدس إلى رام الله، طوباس، نابلس، قلقيلية، جنين وكل القرى والمدن الفلسطينية، الكل يُحيي نضال المرأة الفلسطينية ودورها في بناء ورفعة الوطن. ونحن نحتفل بيوم المرأة العالمي والعديد ينادي بأهمية تمتع المرأة في فلسطين بعدالة ومساواة، كثير من صناع القرار يتحدثون عن تمكين المرأة وإعطائها حقها لتأخذ دورها الطليعي والطبيعي في مختلف مناحي الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، القانونية والتعليمية وغيرها، كل هؤلاء يتغنون بدور المرأة الفلسطينية المناضلة الصامدة التي عانت، قاومت وصمدت تحت الاحتلال.
في فلسطين، تم إقرار “اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية” حيث قرر مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 17/7/2019، اعتبار ١١/٢٦ من كل عام يوماً وطنياً للمرأة الفلسطينية. لم يأتِ هذا التاريخ صدفة، ولكنها ذِكْرَى مرور 90 عاماً على انعقاد المؤتمر النسائي الأول في مدينة القدس بتاريخ 26/10/1929 حيث شاركت مئات السيدات الفلسطينيات وخرجن في مظاهرة جابت شوارع القدس في ثمانين سيارة، وتم تشكيل وفد قابل المندوب السامي البريطاني وطالبته النساء بإلغاء وعد بلفور، ومنع الهجرة اليهودية، وقابلت قناصل الدول الأجنبية لشرح الموقف الوطني فكان لهن دور سياسي مهم للتعبير عن مواقف ومطالب الفلسطينيين على مستويات مختلفة. لا يسعنا هنا إلا أن نذكر الدور التاريخي لنضال المرأة الفلسطينية منذ المشاركة الفاعلة في ثورة البراق ثم تأسيس الاتحاد النسائي العربي في القدس لمناهضة الانتداب البريطاني، وسقوط العديد من الشهيدات والمشاركة في مظاهرات عام 1933، واندماج الحركة النسوية في الحركة الوطنية الثورية المسلحة، ومساهمة المرأة في ثورة 1936 بالتجنيد للإضراب وحمل السلاح ولا ننسى اعتقالات لنساء منذ الانتداب البريطاني ومقاومة الاحتلال.
بالرغم من زخم تاريخ المرأة الفلسطينية، هناك حقوق بديهية ناضلت للحصول عليها؛ حق المراة في فتح حسابات بنكية أو إمكانية تسجيل ونقل أبنائها من مدرسة لغيرها إضافة لحقوق بديهية أخرى مثل ما تم اقراره حديثاً حول إجازة الأمومة ومنح عطلة للأب وغيرها، على الحكومة الإسراع في تعديل وإقرار وتنفيذ كثير من المواد القانونية المُجحفة في حق المرأة، هذا الموضوع أعمق بكثير مما نقدمه في مقال الْيَوْم ويستدعي مراجعة ودراسة جميع الحقوق المدنية الخاصة بالمرأة من ميراث وطلاق وعمل وغيرها…..
مع تقديري لكل محاولات مجلس الوزراء بسن سياسات وتمرير قراءات قوانين هدفها رفع شأن المرأة الفلسطينية، ومع إيماني أن أساس أي مجتمع تقدمي هو الحريات والعدالة والمساواة، وبالرغم من الجهود الرسمية والعبارات والشعارات الرنانة التي يطلقها صانعو السياسة من الرجال إلا أن الحقيقة تتجلى في التطبيق من خلال الإحصائيات والأرقام، دعوني هنا أتطرق لبعض الأرقام الخاصة بالمرأة الفلسطينية:
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 17% مقابل 69% للرجال في العام 2021. لا تزال مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار محدودة مقارنة مع الرجال، حيث أظهرت البيانات أن تمثيل النساء يأتي على النحو الآتي:
11% تمثيل الإناث في المجلس الوطني.
25% تمثيل الإناث في المجلس المركزي.
13% تمثيل الإناث من أعضاء مجلس الوزراء.
%11 نسبة السفيرات الفاعلات في السلك الدبلوماسي.
-22% تمثيل الإناث في الهيئات المحلية حسب نتائج المرحلة الاولى من الانتخابات المحلية من العام 2021.
2% من رؤساء الهيئات المحلية في فلسطين هنَ من النساء.
19% تمثيل الإناث في القضاء.
27% تمثيل الإناث في المحاماة.
20% تمثيل الإناث في النيابة العامة.
25% تمثيل الإناث في نقابة المهندسين.
31% تمثيل الإناث في مجالس الطلبة في الجامعات.
امرأة واحدة تشغل منصب محافظ محافظة رام الله والبيرة من أصل 16 محافظ.
ومع رفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس المركزي الى 25%، إلا أن المصيبة أنه لا وجود للمرأة في اللجنة التنفيذية وهي أعلى سلطة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
بيانات ديوان الموظفين العام حتى شهر شباط 2022 فقد بلغت مساهمة النساء في القطاع المدني 47% من مجموع الموظفين، وتبرز الفجوة في نسبة الحاصلات على درجة مدير عام فأعلى التي بلغت 14% للنساء مقابل 86% للرجال.
-نصف المجتمع الفلسطيني إناث (هناك 103 ذكر لكل 100 أنثى).
نسب لا تليق بالمرأة الفلسطينية!
الرسالة التي أتمنى أن تصل للقارىء اليوم هي أن صانع القرار الفلسطيني يستطيع التأثير في الأرقام سالفة الذكر، مطلوب من صُناع القرار التجاوب مع وزارة شؤون المرأة ومع كل الأطر والاندية والاتحادات والجمعيات التي تُعنى بالمرأة حتى إنصاف المرأة الفلسطينية وعدم الاكتفاء بقرارات من هنا وهناك من خلال سن وإنفاذ التشريعات والقوانين التي تحقق مجتمعاً قائماً على الحرية والعدالة والمساواة.
احترام حقوق المرأة يعكس العقلانية والرُشد في الحُكم، لقد خاضت فلسطين تجارب وشاركت في مشاريع شتى للحُكم الرشيد، وأنا واثقة أن هناك نسبة لا بأس بها تتفهم وتدعم رسالتي من مقال الْيَوْم، لقد اطلعت على تعليقات المنظمة الأممية حول تقدم ملف فلسطين بعد الانضمام للمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان والمرأة وعلي إعلامكم أنه يتطلب من فلسطين كدولة عضو تعديل العديد من القوانين القديمة الهشة تماشياً مع آمالنا وطموحاتنا للارتقاء والعيش بكرامة وحرية على أساس حقوق الانسان المتكافئة بغض النظر عن الدين، العرق، الجنس أو الهوية.
المرأة الفلسطينية كانت وما زالت من ميزات وأهم مكونات الشعب الفلسطيني، فهي الفدائية والشهيدة والأسيرة والعالمة والمعلمة والطبيبة والمهندسة ورافعة المجتمع التقدمي، لقد نجحت المرأة الفلسطينية على مستويات مختلفة وفي كافة المجالات. وهنا أتمنى من الجهات المختلفة المسؤولة عن السياسات العامة والتعديلات الدستورية ان يتم النظر بجدية لموضوع الحقوق وبالتحديد حقوق وحضور المرأة وذلك من خلال قوانين تضمن تساوي واندماج المراة مع الرجل في مختلف المجالات.
المرأة تملك حقوقا مكتسبة كونها إنسانة، وإن ما ورد في اتفاقيات حقوق الإنسان وفي القانون الأساسي الفلسطيني وليس اتفاقية سيداو فقط هو تأكيد لهذه الحقوق التي باتت تستباح في كثير من المجتمعات. ففي فلسطين مثلاً، نسبة حصول المرأة على حقوقها في الميراث مثلاً لم تتجاوز 5%.
المجتمع الفلسطيني اليوم ما زال رهن وانتظار الارادة السياسية في إصدار سياسات عامة تدعم دمج المرأة وتبوئها مناصب رفيعة أسوةً بالرجل. لا ننكر أنه وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1993، حازت المرأة على دعم وتوجيه، إذ إن المسائل المتعلقة بالمساواة وتمكين المرأة بدأت ترقى إلى أولويات الاهتمام في جدول الأعمال الفلسطيني الرسمي؛ فقد أصبح تمكين المرأة وتحسين مركزها أمرًا أساسيًا لا بد منه لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اللازمة، وكان أولها تبني لنظام “الكوتا” لضمان تمثيل المرأة في اللجان والمناصب وشهدنا قبل سنوات جهداً رسمياً تمثل بالانضمام لاتفاقية “سيداو” التي من شأنها ضمان مشاركة المرأة بعدالة في المجتمع، وللأسف لاقى هذا الجهد رفضاً شعبياً غير مبرر. الهجمة ضد سيداو تعكس ظهور وتصاعد الشعبوية داخل المجتمع الفلسطيني، هناك فئات ولخدمة حاجات مجتمعية معينة استغلت الدين لخلق رد فعل شعبي بتوظيف اسم الدين استناداً لتأويلات وتفسيرات غير حقيقية. وللأسف تم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تداول معلومات مغلوطة حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (اتفاقية سيداو) ينم عن عدم الاطلاع على الاتفاقية أو الفهم الخاطىء لأحكامها، منصات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية والسريعة ساهمت كوسيلة استفادت منها فئات في تضليل الجمهور الذي لا يبحث ولا يستقصي. من المؤسف غض النظر عن مؤهلات المرأة العلمية ومهاراتها الحياتية وإمكانياتها التي توازي او تضاهي الرجل، للأسف التسليم للتقاليد وللأفكار النمطية المتوارثة البعيدة عن التفكير والعقل تؤدي الى تردي ملحوظ في مشاركة المرأة في العمل العام لما تعانيه من أوجه النقد اللاذع المجتمعي البعيد عن الموضوعية، البعيد عن العقل والأهم البعيد عن الاخلاق.
اتفاقية “سيداو” لم تمنح المرأة اي حقوق استثنائية، وإنما أكدت على الحقوق الأساسية للمرأة التي يجب ان يتمتع بها كل إنسان دون اي تمييز وهو ما أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع اتفاقيات حقوق الإنسان. بالمناسبة، القانون الأساسي الفلسطيني والمرجعيات الدستورية الفلسطينية من وثيقة اعلان الاستقلال أكدت على نفس المبادئ والحقوق وأهمها المساواة وعدم التمييز.
غياب الارادة السياسية يخفض السقف الزجاجي فوق رأس المرأة. انضمام فلسطين لاتفاقية “سيداو” مهم وعلى النظام السياسي الفلسطيني ان يحافظ على الانسجام مع حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية. لقد انضمت دولة فلسطين لاتفاقية سيداو في العام ٢٠١٤ دون اي تحفظات تكريما للمرأة الفلسطينية وتأكيداً على الحقوق التي منحت لها بموجب المرجعيات الدستورية الفلسطينية. على الجهات الرسمية ان توائم القوانين الداخلية، سيدات فلسطين تستحق مواءمة للسياسات والتعيينات مما ينسجم ويرتقي لمستوى الخبرة والقدرة والامكانيات والروح الوطنية والنضالية التي تتحلى بها المرأة الفلسطينية حسب التخصص.
أتمنى من المرأة الفلسطينية لعب دورها الطبيعي لإحداث تغيير مجتمعي حقيقي من خلال مشاركتها الفاعلة التي تمثل نصف المجتمع، المرأة تشكل العلامة التجارية الفلسطينية في القرن الواحد والعشرين.
د. دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.