عملية حومش ردود المستوطنين ما الجديد هذه المرة ؟
الكاتب: عصام بكر
حتى بحسب تقديرات جيش الاحتلال الذي يحاول دائما التقليل من اهمية ما يقوم به المستوطنون يتحدثوا عن ارتفاع منسوب الاعتداءات التي ينفذها قطعان المستوطنين ضد الفلسطينيين بنسبة كبيرة خلال العامين الماضيين كماً ونوعاً، ومعها ارتفعت بنسبة كبيرة ايضاً المخاطر والاضرار التي يتكبدها ويلحقها بالمواطنين الفلسطينيين ليس فقط على المستوى المادي، وانما ايضاَ بحسب الحالة الراهنة وما تنذر به من احتمالات اتساع دائرة "العنف" المنفلت من غلاة التطرف والعنصرية بحقه، واتساع نطاق الاعتداءات على امتداد الضفة الغربية .
وبات من الواضح ايضاً ان هذه الاعتداءات لم تكن طوال السنوات الماضية مجرد حوادث متفرقة منفصلة عن سياق عام ممنهج تغذيه ايدولوجيا الحقد والتربية على الكراهية التي نراها جلية واضحة ولا تحتاج لبراهين او ادلة امام كل الاحداث الاخيرة التي تلت مقتل المستوطن بالقرب من مستوطنة حومش المخلاة، وحالة الانفلات العنصري لسوائب المستوطنين وهي في الحقيقة ما يجب ان يتم قراءته سياسيا على المستوى الفلسطيني بشكل عميق فردود الفعل والعمليات الانتقامية بعد حومش وان اشتركت في الظاهر مع حوادث مشابهه في السابق كما يحدث عندما يتم تنفيذ عملية فدائية بالمعنى المباشر هذا صحيح ربما!! لكن المختلف هذه المرة وما يجب ان نراه ونلتفت اليه جيدا بفحص متأني ولم يتم تناوله في وسائل الاعلام او حتى في التعليقات السياسية الاولية على الاقل بتركيز هي مسألة استخدام المستوطنين للزي العسكري لجيش الاحتلال عند مهاجمة منزل وائل مقبل 61 عاما في بلدة قريوت جنوب نابلس بعد طرق باب المنزل بقوة عندما سألهم من الطارق اجابوه كما قال بعربية ركيكة(جيش افتخ) لينهال عليه بالضرب المبرح اكثر من خمسة عشرا مستوطنا بالعصي، والقضبان الحديدية حيث نجى من الموت باعجوبه بعد ان قاموا بتحطيم اثاث البيت، وهو ما شاهده الجميع على شاشات التلفاز لكن هذه المرة وبهذا الشكل، والدخول لداخل البيت، والاعتداء على المواطن وزوجته بهذه الاسلوب ربما تكون المرة الاولى منذ (احراق عائلة دوابشة) رغم تسجيل عدة حوادث سابقة تقترب من هذا الاعتداء لكنها لم تأخذ هذا الحجم والطريقة، ولا شك لدي ان تقاسماً متفق عليه بين المؤسسة العسكرية، وقادة المستوطنين لتبادل الادوار، وتنفيذ المخططات بتفاصيلها هو ما يتم فعلا وان كلا الطرفين في الحقيقة طرف واحد تحت عنوان واحد هو الاحتلال ولا فرق بين المستوطن والجندي الا بالزي العسكري احياناً فالمستوطن هو جندي بسلاحه ولكن بزي مدني .
الحادثة في قريوت والقرى الاخرى تنذر بوقوع ما هو اشد واقسى واوسع بل واكثر خطورة في المستقبل القريب ربما ببعدين الاول كما تمت الاشارة اليه باستخدام الزي العسكري واقتحام المنزل، وتنفيذ الاعتداء بالسلاح الناري كارثة او مجزرة كان يمكن ان تحدث لولا صراخ سميحة زوجة مقبل، وتلبية استغاثتها من قبل الاهالي، ونقل زوجها لمشفى رفيديا حيث يعاني من كسور في عدة اضلع، رضوض في انحاء جسمه، اصابات كان يمكن ان تكون قاتلة لا قدر الله وهذه هي المسألة الثانية التي تعكس مدى التصميم داخل نفوس " فتيان التلال" ومن يقف وراءهم فمن اقتحام اطراف بعض القرى النائية الى العمل على قطع عشرات الاشجار تحت جنح الظلام، ومنع المزارعين من الوصول الى ارضهم، وسرقة محاصيلهم ثم مهاجمة المركبات على مفترقات الطرق الرئيسية تحت حراسة الجيش، وتسميم ابار المياه، وقتل المواشي ثم هذه النقلة النوعية التي يجب ان ننظر اليها بشكل مختلف بعد عملية حومش الاخيرة وهو العامل الاخر الهام واللافت في هذا الاطار وهو الاعلان عن عدم دفن جثة المستوطن القتيل احد طلاب المدارس الدينية المتطرفة وهو جندي في جيش الاحتلال الا باقامة البؤرة الاستيطانية الجديدة للمعهد الديني في حومش المسألة غاية في الاهمية تضيف دليلا جديدا على مدى تعاظم نفوذ وقوة الحركة الاستعمارية الاستيطانية، والدور الذي تلعبه في حياة "الدولة" وهو ما يؤكد ايضا بعكس التقديرات او الخطأ الذي نقع فيه للتفريق بين الجيش والمستوطنين حيث يبدو بما لا يدع مجالا للشك ان "الدولة" التي اقيمت بفعل الحركة الاستيطانية والكيبوتسات الزراعية انها اي مؤسسة الجيش هي في خدمة المشروع الاستيطاني وحمايته وتامين توسعه وليس العكس، وان كل الخطوات التي سبقت نكبة العام 48 كانت للتحضير لتفريغ القرى والبلدات العربية من سكانها عبر تنفيذ المجازر الدموية، وهو ما كشف النقاب عنه بالمناسبة خلال الايام القليلة الماضية في تقارير لمؤسسات ومراكز امنية وبحثيه اسرائيلية حول ارشيف النكبة والمذابح التي جرى تنفيذها في القرى والبلدات العربية .
احدى السيناريوهات غير المستبعدة بل ربما المخطط لها فعلا خلال الفترة المقبلة تتمثل بهجوم او هجمات واسعة النطاق تشنها مجموعات كبيرة من المستوطنين على احدى القرى الصغيرة البعيدة، ومحاولة تنفيذ ترحيل الناس منها او تنفيذ اعتداء وحشي واسع ايضا مما يضطر الناس للمغادرة بحسب هذه الخطط هذا ليس مجرد سيناريو وتحليل وتكهنات غير واقعية بل هو احتمال قائم نتاج ما يجري من مسلسل طويل مستمر باوجه واشكال مختلفة وهو ما يجب ان يتم الاستعداد لمواجهته بل ووضع مقترحات عملية جدية للتصدي لمثل هذه السيناريوهات اذا ما وقع رغم يقين الجميع ان تكرار ما جرى ابان النكبة هو امر مستبعد بل مستحيل الحدوث مرة اخرى، وان المواطن الفلسطيني مستعد للموت في ارضه وبيته قبل التفكير مجرد التفكير بالمغادرة او الرحيل القسري او الطوعي بتضييق الخناق على مقومات الحياة لاجباره على الرحيل .
الاعتداءات بعد عملية حومش لم تنتهي ولن تتوقف الهجمات كما يمكن ان يتصور البعض وهي مرشحة للمزيد من الاتساع بسبب او بدون سبب، وان يكن قد خف شكل التجمع على الطرقات، وتحطيم مركبات المواطنين هو الشكل المباشر المقلق لما يشكل من تهديد على حياة الناس الا ان الزحف الاستيطاني المتواصل وتسمين المستوطنات، واضافة المزيد من استقدام البيوت لما يسمى البؤر العشوائية الاستيطانية، والتصريحات والتهديدات الداعية للانتقام من العرب كلها تصب في قناة واحدة تفضي في نهاية المطاف لحدوث ما لا تحمد عقباه .
اذا لم يكن هناك تحرك دولي حقيقي بخطوات ملموسة جدية لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واجبار اسرائيل قوة الاحتلال على وقف التعديات والانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي والعمل على معاقبة محاسبة قادة الاحتلال وهم من يعطوا التعليمات للمستوطنين لتنفيذ اعمالهم الارهابية ضمن حرب ابادة تجري امام وعلى مراّى ومسمع العالم اجمع فان ما قد تقدم عليه عصابات المستوطنين لن يتوقف عند استباحة المسجد الاقصى بالاقتحامات اليومية بل ربما يصل اقامة الهيكل المزعوم على انقاض اجزاء منه، وفي ساحاته او القيام بخطوات ذات طابع استراتيجي يتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية يتعدى مسألة التوسع القائم، واحتلال التلال وصولا للممارسة الضم الفعلي، وفصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها ضمن كانتونات، وخلق واقع ليس اقله تأثيرا الاعلان عن اعتزام بناء محطة الحافلات المركزية قرب حاجز زعترة في قلب الضفة الغربية، وما يرافقه من شق الطرق المتواصل في المنطقة تلك المنطقة ملهتمة مئات الدونمات الزراعية بشكل غير مسبوق، ومد خطوط الطرق الرابطة بين المستوطنات في ارجاء الضفة الغربية وربطها ببعض .
ما اعقب عملية حومش هو بمثابة نقطة ارتكاز تحمل نذر متغيرات كبيرة مختلفة عن طرق الرد السابقة ونقطة تحول مهمة، ومحطة لافتة علينا ان نراها ببعد نظر وبصيرة واضحة لمواجهة اثارها لان المرات القادمة لاي حدث قد يجري في اي منطقة سيكون بالاعتماد على ما جرى خلال الايام الماضية، وليس اقل من ذلك، وهو ما يتطلب تطوير جهوزية عالية للتصدي لاي هجمات محتملة قد تحدث بسبب او بدون سبب ووضع خطط مواجهة باعداد وبناء، وتفعيل لجان الحراسة والحماية، وتشكيل لجان الاحياء في المدن والمناطق المتاخمة للمستوطنات والطرق الالتفافية، وارساء قواعد عمل شعبي نوعي مختلفة بالنوع، والحجم، وابتكار كل الوسائل الخلاقة والابداعات الشبابية كما يجري في جبل صبيح في بيتا، وتعميم التجرية لتصبح حالة شعبية يومية ضمن واقع الشعب الفلسطيني وفي سبيل استمرار نضاله وحقه المشروع للخلاص من الاحتلال .