يوم التراث الفلسطيني: وكتابة الرواية التاريخية الفلسطينية
الكاتب: فيحاء عبد الهادي
كيف أحيت فلسطين يوم التراث الفلسطيني هذا العام؟
لا شكّ بأن تكريس دولة فلسطين يوماً للاحتفال بيوم التراث الفلسطيني، في الأول من تموز، منذ العام 1981، ثم في السابع من تشرين الأول، منذ العام 1999؛ قد لعب دوراً كبيراً في ترسيخ الهوية الفلسطينية، وفي تعزيز روح الصمود والمقاومة، في وجه محاولات سرقة الأرض وتشويه التاريخ ومحو الذاكرة.
ولكن؛ هل امتدت الفعاليات الثقافية يوم 7 تشرين الأول 2021؛ إلى مدن وقرى ومخيمات فلسطين في الوطن وفي الشتات؟
وهل تناسبت مع رؤية وزارة الثقافة الفلسطينية في جعل الثقافة عاملاً أساسياً من عوامل التحرّر من الاستعمار؟
ومع الأهداف التي حدَّدها المنظِّمون والمنظِّمات للفعاليات الثقافية؟ والتي تمثلت بإحياء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وترسيخ الهوية الوطنية، والحفاظ على التراث الفلسطيني، وحمايته من السرقة ومحاولات التهويد، والمحافظة على القيم المجتمعية الأصيلة التي يتوارثها الفلسطينيون جيلاً بعد جيل؟
*****
بإشراف من وزارة الثقافة؛ أقيمت في الضفة الغربية وغزة الفعاليات الثقافية، التي احتفت وأحيت يوم التراث الفلسطيني هذا العام، وتركَّزت في مدن رام الله، والخليل، وبيت لحم، وغزة، وقلقيلية، وجنين، ونابلس.
تنوّعت وتعدّدت النشاطات الثقافية؛ نظِّمت البازارات للأشغال اليدوية والتراثية والمأكولات الشعبية، والمعارض للأزياء التراثية والحرف التقليدية والمشغولات اليدوية.
أقيم احتفال ثقافي في ديوان من دواوين العائلات في قلقيلية، واحتفالات في مقارّ بعض البلديات، وبعض المدارس، والخيم التراثية؛ تضمّنت فقرات فنية تراثية تمثلت في الدبكة الشعبية والأغنيات التراثية الفلسطينية والعرس التقليدي الفلسطيني، وزفة العريس.
*****
لا شكّ بأن هذه النشاطات الفنية جميعها ساهمت وتساهم في بث الوعي حول أهمية التراث، ووجوب صيانته، والحفاظ عليه، وكان من الممكن أن ترفدها عروض مسرحية، وعروض حكي، وبرامج إذاعية وتلفزيونية، وأفلام وثائقية، تترجم إلى لغات أجنبية، حتى تمتد ويصل تأثيرها إلى دول العالم.
كما أن تثبيت الرواية التاريخية الفلسطينية يحتاج إلى جهود علمية تضاف إلى هذه النشاطات، حتى تكون على مستوى التحدي الثقافي الذي يواجه الشعب الفلسطيني، كما أنها بحاجة إلى مشاركة فلسطينية أوسع من الفلسطينيين أينما وجدوا.
ومن الطبيعي أن هذه الجهود تحتاج جهداً بحثياً طويلاً، يمكن أن يتوّج الإعلان عن نتائجه في يوم التراث الفلسطيني، كما حدث العام 2020 حين أطلقت وزارة الثقافة الفلسطينية كتابيْن، ضمن فعاليات يوم التراث الفلسطيني؛ عنوان الكتاب الأول: «المتاحف والصراع العربي الإسرائيلي»، ناقشت فيه «نسب أديب حسين» دور المتاحف في الصراع على هوية القدس الثقافية المعاصرة، وأكَّدت الدور المهم للمتاحف في الدفاع عن الرواية الفلسطينية، خاصة أن دولة الاحتلال الاستعماري تروِّج عبر المتاحف للرواية الصهيونية المزيّفة، وعنوان الكتاب الثاني: «الأغاني الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة وأغاني الصيادين»، جمع فيه «خالد جمعة» و»جميل العبادسة» أغنيات شعبية تراثية تخصّ الأعراس والمآتم والمواسم والمناسبات الاجتماعية المتعددة؛ وثَّقا معظمها من مهجَّرين ومهجرات فلسطينيين العام 1948. منح الكاتبان صوتاً لمن صنعوا التاريخ؛ لمن لا صوت لهم/ن، ما أثرى الكتاب وأعطاه مصداقية ونكهة ثقافية متميزة.
*****
ما الذي نحتاجه من أجل احتفالات متميزة في السنوات القادمة، إضافة إلى الفعاليات الثقافية الثرية؟
نحتاج جهوداً مكثفة يبذلها العلماء والمفكرون والباحثون، نساء ورجالاً؛ في علم الآثار، والتاريخ القديم، والتاريخ المعاصر، والأنثروبولوجيا، والأدب والفنون، والعلوم الاجتماعية المتعددة؛ كل له دوره في إثراء الرواية التاريخية الفلسطينية، وإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني، من منظور تاريخي نقدي، يواجه مقولات التضليل والتزييف ومحاولة طمس الهوية بالأدلّة العلمية، ويأخذ بعين الاعتبار تاريخ فلسطين الطويل الغني والمتعدد ثقافياً.
علينا أن نكون مثل خلية النحل لإنجاز هذه المهمة فائقة الأهمية.
وإذا كانت هناك اختلافات تفرضها السياسة والعمل السياسي فمن المفروض أن يبتعد عنها العلم، وأن توحِّدنا الثقافة، من أجل تقديم إنتاج له قيمة علمية.
نريد أن ننتج الجديد في علوم المعرفة كافة، بعد أن نطوِّر أدواتنا البحثية، ونعمِّق مناهجنا البحثية.
نريد أن نستنهض طاقات شبابنا، ونشجعهم على الابتكار والتحديث، بعد استيعاب ماضيهم وتراثهم، نريد أن نبعدهم عن التعصّب القبلي والمذهبي؛ كي ينتصروا للحق والمبدأ.
نريد لشبابنا أن يبدعوا لا أن يكرِّروا، وأن يقاوموا المحتلّ بأنواع المقاومة كافة؛ ومنها سلاح العلم والمعرفة.
نريد أن نوحِّد الجهود لتفكيك الرواية الصهيونية التي تعتمد على التوراة، لنكتب روايتنا التاريخية الفلسطينية، التي تعكس تراثنا الثقافي الثري وحضارتنا الممتدة.