صورة الفلسطيني في الرواية العربية: الفلسطيني المقاوم والفلسطيني المحايد "كأنها نائمة"
بقلم: عادل الأسطة.
بعد روايته «باب الشمس» بأربع سنوات أصدر إلياس خوري رواية «يالو» (٢٠٠٢) وهي تأتي على الحرب الأهلية في لبنان، واللافت أن الكتابة عن الفلسطيني فيها غير لافتة. وهذا يدفع الدارس إلى التساؤل عن السبب:
- أيعود إلى أن الرواية رواية شخصية بالدرجة الأولى؟ أم إلى أن «يالو» بطلها كان منشغلا بنفسه وقصته وقصة رفاقه وأنه لم يذهب إلى الحرب عن قناعة وأن الفلسطينيين ليسوا أعداءه أصلا وأنه قد لا يكون التقى بهم فلم يأت على عالم لا يعرفه، عدا أنه، عندما ذهب للقتال، كان فتى يافعا ليس لديه وعي سياسي؟
بعد «يالو» أصدر خوري رواية «كأنها نائمة» (٢٠٠٧)، وهي رواية صلتها بموضوع الحرب صلة هامشية، ثم إنها تقارب بإيجاز سريع الثورة في فلسطين قبل العام ١٩٤٨- يعني أن المقاربة الهامشية للحرب لا تتعلق بالحرب الأهلية في لبنان.
يرتد الزمن الروائي في الرواية إلى الأعوام ١٩٤٦ - ١٩٤٨، وتجري الأحداث في لبنان وفلسطين، وشخصيات الرواية شخصيات فلسطينية ولبنانية معا، حيث يتزوج الفلسطيني منصور من اللبنانية ميليا ويقيمان معا في مدينة الناصرة، والرواية التي يختلط فيها الواقعي بالخيالي ويمتزجان معا تتكئ بالدرجة الأولى على «المنامات»/ الرؤى والأحلام. إنها رواية منامات بامتياز؛ منامات تسير الحياة على إيقاعها أو أن الحياة تهجس للشخوص، وتحديدا لميليا، بها.
في كتابة لي سابقة تحت عنوان «صورة الفلسطيني في الرواية العربية: «كأنها نائمة» سؤال الهوية» (أنظر موقع «نخيل عراقي» بتاريخ ١٤ نيسان ٢٠٢٠) اقتبست عبارة لافتة وردت على لسان ميليا «ايش يعني لبنانيين وغير لبنانيين هيدي بلاد الشام»، فمن أسس الناصرة كانوا من لبنان أصلا، فهل الكتابة عن الفلسطينيين في الرواية تعني الكتابة عن اللبنانيين؟
أيا كان الأمر فإنني هنا سأتوقف أمام ثلاث شخصيات فلسطينية من يافا هي شخصيتا منصور وأخيه أمين وشخصية أمهما.
الفلسطيني المقاوم والفلسطيني المحايد:
لمنصور أخ اسمه أمين يعمل في مصنع خردوات تركه أبوهما لهما وصارت أمهما تديره.
انتمى أمين إلى جماعة الحاج أمين الحسيني وقد سخر مصنعه الذي ورثه عن أبيه لصنع طلقات البواريد الانجليزية، وبدأ «يخطط لتصفيح السيارات من أجل أن يمتلك الفلسطينيون سلاحا ثقيلا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المتفوقة».
استشهد أمين في سياق موجة متفجرات ضربت يافا العام ١٩٤٧ ويبدو أن ثرثرته قادته إلى الهلاك، فقد كان أخوه منصور «مقتنعا بأن شقيقه مات من كثرة الحكي»، «أمين كان ثرثارا ويحب المنظرة»، ولأنه كان، في نظر أخيه، كذلك فقد اختلف الشقيقان، واختلفا أيضا لأن أمين استأثر بالمصنع لنفسه، وربما لهذا، أو لسبب آخر هو شعور منصور بأن أمه لا تحبه.
كانت أمه تنتظر من الله ابنة فرزقت بصبي ثان ظلت تتعامل معه بوصفه طفلة صغيرة «أطالت شعر الصبي وعقدت ضفائره، وصارت تخاطبه بتاء التأنيث»، وحاول أمين أن يلعب اللعبة نفسها مع أخيه ونقلها إلى المدرسة حيث بدأ منصور يستمع إلى رفاقه يخاطبونه بتاء مضافة إلى اسمه، ما جعله يقوم بردود أفعال عنيفة، يتصرف كالصبيان الأشقياء ويتعرض للضرب من أقرانه .... وعندما كبر وجد نفسه في عائلة عربية تديرها أم حديدية لا ترحم.
وفي حين كان أمين ذا ميول وطنية وسخر مصنع العائلة لخدمة الوطن، ودفع حياته ثمنا لذلك، كان منصور لا يكترث للسياسة ولفكرة الدفاع عن الوطن. كان الأول ملتزما، وإن من باب المنظرة، وكان الثاني لا يهتم بالسياسة والقضية الوطنية. وفضل منصور الابتعاد عن الجو، كي يتجنب وجع الرأس، فترك يافا ليقيم مع زوجته ميليا في الناصرة، لكن وجع الرأس لحق به إلى هناك.
حين سمع منصور خبر استشهاد أخيه عاد إلى يافا، وهنا يتغير ويلبس صورة أمين. يتقمصه. «صار منصور رجلا آخر» وقرر العودة إلى يافا، فلا يمكن ترك المعمل لأن الأم لا تستطيع إدارته وحدها.
نحن أمام أخوين مختلفين ولكن الظروف تدفع الثاني المحايد إلى تقمص شخصية الأول، وتغيره من محايد غير ملتزم إلى ملتزم يسير على خطى أخيه.
صورة المرأة:
اللافت في الرواية التي تأتي على الواقع الفلسطيني قبل العام ١٩٤٨ هو صورة المرأة الفلسطينية فيها. إن النموذج النسوي الفلسطيني يتجسد في شخصية الأم الفلسطينية.
والدة أمين ومنصور تبدو امرأة متسلطة وحديدية «لا تفكر إلا في جمع المال» ولهذا ترك لها منصور قبل استشهاد شقيقه كل شيء وغادر يافا ولم يرد العودة إليها وإلى رائحة الدم التي تنتشر فيها. ولكنه عاد.
هل تختلف المرأة الفلسطينية هنا عنها في روايات إلياس خوري السابقة؟
في «الوجوه البيضاء» طالعتنا سمر الثورية المتحمسة التي سرعان ما تتزوج من تاجر وتصبح ربة بيت.
وفي «مملكة الغرباء» قرأنا عن المرأة الفلسطينية المتعلمة التي تعمل في مؤسسات الثورة وتستشهد، وفي «باب الشمس» كانت نهيلة نموذج المرأة القوية الصلبة التي تتعرض لمضايقات الاحتلال ولكنها تصبر وتعمل في غياب زوجها لتربي أبناءها، وهو ما تكون عليه والدة أمين ومنصور في «كأنها نائمة» على الرغم من وصفها بأنها امرأة متسلطة.
ما لا ينبغي أن يغيب عن الذاكرة في أثناء قراءة الرواية هو أن أحداثها تجري في مكان لم يقم فيه الكاتب وفي زمان لم يكن شاهدا عليه. إن ذلك لا شك قد يجعل الصورة التي ترتسم للفلسطيني صورة متخيلة أكثر مما هي صورة حية ملموسة. فماذا عن الفلسطينيين ويافا بعامة؟