طوارئ «الأيام» في الزمن "الكوروني"
بقلم: حسن البطل.
«قفا نبكِ».. هذه منسوبة لشعر الأطلال، وشاعرها الأشهر ـ ربما «قاعاً صفصفاً» من محفوظاتي القرآنية التي تدهش زميلي الحمساوي، واضطررت للتأكد من «غوغل» (سورة طه ـ 16).
قبل أيام دلفت إلى «الأيام» لتسليم مقالتي، وهي مؤسطرة عادة، لأجد الجريدة والمؤسسة «خاوية على عروشها»، وواحداً لا غير على مكتبه، هو مدير التحرير عبد الناصر النجار. أنا وهو، صرنا، في عداد موظفي الجريدة، الذين يكتبون لا يُستكتبون بمكافأة على مقالاتهم.
عبد الناصر، المكنّى «أبو جمال» ما تبقى من طاقم قليل كان قد عمل مع رئيس التحرير، أكرم هنية، في جريدة الشعب، هناك في شارع صلاح الدين المقدسي، زرته مع زميل للمساعدة في التحرير في منتصف التسعينيات.. فإذا به وحيد. قال: لديّ محرر واحد هو أنا، وآخر هو المقص «قص والزق».. وبالطبع يُحرر ويُخرج!
قطعت إجازتي لأسبوعين، لكن لم تنقطع مقالات قديمة لي يختارها رئيس تحرير «الأيام» من مخزون مقالات يحتفظ بها على الحاسوب. اثنان لا غير يُداومان في الجريدة والمؤسسة، وباقي المحرّرين يُحررون من بيوتهم، بعدما شكّلوا زمرة أو «غروب»، ويتولى معهم مخرج ما ورئيس الدعم التقني من منزليهما، وخبير الطباعة المداوم في المطبعة وسيارة التوزيع بقية العمل.
خلال ربع قرن من عمرها، اجتازت الجريدة مرتين حالة طوارئ واستمرت في الصدور. الأولى كانت في سنوات الانتفاضة الثانية، حيث تحولت المكاتب إلى مهاجع للمحررين، فرشات نوم وطراريح، مخدات وأغطية، ذات يوم سألني رئيس التحرير آنذاك مستغرباً: «كيف جئت؟».. كانت الجريدة ـ المؤسسة مثل «خلية النحل».
هذه المرة الطارئة «الكورانية» تبدو الجريدة قفراء، بعدما كانت مثل قفير نحل ودبابير، وهذا الزمن «الكوراني» يبدو مستقبلاً، تدريباً على مستجد غير «كوراني»، أي صدور «الأيام» بطبعة «إنترنتية»، فقد تدركها أزمة الصحافة الورقية، التي أدركت أمهات صحف ومطبوعات عربية وعالمية، فاحتجبت كلياً، أو كفّت عن الإصدار الورقي.
لحكومتنا، وسائر حكومات معظم العالم، برامج طوارئ لاجتياز أزمة اقتصادية حادة هي من نتائج الوباء «الكوراني»، سوف تؤثر بشدة على مداخيلها من الإعلانات التجارية، أو الرسمية.
يتم التنسيق لتحرير الجريدة، في هذا الزمن «الكوراني»، عبر الهواتف النقالة، وبالذات عبر «واتس أب»، وأطلعني مدير التحرير على رسائل وأسئلة المحررين في بيوتهم. عرض عليّ الاشتراك في زمرة «الغروب».. لكن رجوته بعد يوم واحد الانسحاب منه، لأن الجهاز يرنّ ويطنّ كل دقيقة كأن القرد يركبني، ولست محرراً بل مجرد كاتب عمود ولا يلزمني هذا العناء، وهذه الدوشة، التي من دونها لن تروا الجريدة في منافذ التوزيع.
صارت الجريدة تصدر في 16 صفحة، بدلاً من 20 أو 24، وخلت شبه كلياً من الإعلانات، وكشت صفحات الرياضة العالمية إلى واحدة، وصفحات الرياضة المحلية إلى صفحتين، وبدلت صفحة «الرأي» مكانها.
حتى قبل «خلّيك في البيت» استعدت «الأيام» وتجهّزت بالمعقمات في كل قرنة من المؤسسة، ومن قبل استعدت لأزمة الصحافة الورقية، فقد كان هناك ليس أقل من ستة موظفين يعملون على تنضيد المقالات، والآن هناك منضد واحد يعتكف في بيته، وصار معظم كتّاب «الأيام» يرسلون موادهم مطبوعة على «الإنترنت»، وكذا معظم المراسلين.. باستثناء اثنين من «العتاق»، وأنا واحد منهم، يكتب ويؤسطر ولا يجيد الكتابة على الحاسوب. كاتب «أطراف النهار» هو «عميد السن» في الجريدة والمؤسسة، وتخطّى السبعين بنصف عقد، وعليه أن يلزم بيته، احتياطاً من أنياب «كورونا» ومن عدوى زملائه بالتالي.