خلافاتنا الداخلية... ما بين الحكمة والتخوين!
د. دلال عريقات
يقول مارتن لوثر كنج "إن حياتنا توشك على الانتهاء في اليوم الذي نصمت فيه عما هو مهم".
بعد قراءتي لكتاب المثقف القلق ومثقف اليقين، جاء د. خالد الحروب ليعزز إيماني الراسخ بالمسؤولية الفردية التي تقع على عاتق كل مواطن تجاه مجتمعه حسب تخصصه، منا من يخدم المجتمع عن طريق الغناء، الوظيفة، التعليم، الزارعة، الابتكار، الانتاج، الموسيقى او التمثيل، على كل فرد مسؤولية بشكل أو بآخر. يعتقد البعض أن الزمن كفيل بعلاج المشكلات، أن تكون مثقفاً قلقاً يعني ألا ترضى بأن يعالج الزمن الأزمات، أن تكون مثقفاً قلقاً يعني ألا ترضى بما تأتي به الأيام من مخرجات سلبية تقودها جماعات، قد تكون حريصة على المصلحة الوطنية ولكنها بعيدة كل البعد عن بناء وإنتاج الفكر الذي يخدم الوطن. أن تكون مثقفاً قلقاً يعني أن تقول كلمة حق في وقت حلت فيه أساليب التشهير والفضح، التجريم أو الحياد السلبي مكان ضمائر وعقول البشرية.
على سبيل المثال في فلسطين شهدنا خلافات حول عدة مواضيع عامة مثل اتفاقية سيداو وما يترتب عليها من تعديل قوانين داخلية لتتواءم مع القوانين العالمية التي تحفظ حق ومساواة المرأة، شهدنا خلافاً حول قانون الضمان الاجتماعي وخلافاً حول قانون السلامة من الأخطاء الطبية، وآخر الخلافات هو ما نشهده اليوم من خلاف حول اللقاءات مع الاسرائيليين.
ككاتبة، إنني أؤمن بمسؤوليتي في نشر الوعي ورفع المستوى الثقافي خاصة بين الشباب الفلسطيني الذي لا رهان إلا على طاقاته. وعليه سأتناول اليوم موضوع التعامل مع هذه الخلافات، فمثلاً في كافة المواضيع السابقة والتي نعتبرها جميعاً مهمة وذات أبعاد وطنية واجتماعية عميقة، تم التعامل معها من خلال الإضرابات وتعطيل العمل والبيانات والتهديدات والأحكام والتخوين. غابت العقول تماماً عن المشهد، وبدلاً من أن يبادر المثقفون القلقون بمواجهة هذه الخلافات وإدارتها علمياً وموضوعياً تحقيقاً لمصلحة الوطن والمواطن وتقريب وجهات النظر أو حتى تيسير النقاش بشكل حضاري عند الخلاف، للأسف مع غياب دور المُثقف القلق، رأينا منصات وسائل التواصل الاجتماعي تفتح المجال المجاني للمُحرضين والسلبيين الذين تسيرهم المشاعر على حساب العقل والمنطق.
كل مواطن فلسطيني عانى بشكل أو بآخر من الاحتلال الاسرائيلي منذ النكبة، النكسة أو الانتفاضة. المعاناة ما زالت مستمرة بأوجه مختلفة ولكن تقع علينا مسؤولية تعليم الأجيال أن خلافنا الأكبر الأول والأخير هو الاحتلال ببساطة.
دعونا نتذكر حقوقنا وواجباتنا، ليس من حق أي مواطن لمجرد أنه حريص على المصلحة الوطنية أن يتهم ويخون غيره، تماماً كما ليس من حق أحد أن يُكفر أحدًا! حرية الرأي والتعبير كما باقي الحريات تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين!
منظمة التحرير الفلسطينية -مع حاجتها للإصلاح- تبقى الممثل الشرعي والوحيد، وهي المظلة الكبيرة التي بيدها الصلاحيات الوطنية، وبصراحة أقول أن هذا المجتمع بحاجة لقيادة جديدة تكون قادرة للتعامل مع الأدوات الحديثة من تكنولوجيا والترندات والهاشتاج والسوشال ميديا والفايسبوك وكل أشكال الثورة الحديثة، التي وإن لم يُحسن استعمالها فقد تكون آفة العصر التي تدمر المجتمعات.
ليس التفكير حِكراً على المثقفين، التفكير هو ما ميز به الله الانسان عن باقي المخلوقات، وعلى كل إنسان واجب استخدام العقل في الحكم على الأمور، فالعقل مقره القلب كما دل على ذلك الله سبحانه وتعالى "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" - سورة الحج: الآية 46.
كل شيء إذا كَثُرَ رخص إلا العقل، فإنه إذا كَثُرَ غلا، ولذلك يدرك أصحاب العقول والقلوب السليمة أنهم بالعقل يطلبون الآخرة، فمئة جاهل أسهل على الشيطان من مؤمن عاقل!
نهاية، ليس الغرض من مقالي أن أعلم أحداً شيئاً ولكنني أكتب أملاً في حثكم على التفكير...
- د. دلال عريقات: أستاذة حل الصراع والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.