الجمهور الإسرائيلي: نتنياهو فاسد.. وسننتخبه!
الكاتب: هاني حبيب
لأيام قليلة، ستظل الساحة الانتخابية الإسرائيلية منشغلة بتداعيات توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، لكنها، كما نعتقد، ستعود مجدداً إلى مربع الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على خلفية "صفقة القرن"، ومن جديد، نؤكد أن قراءة مجريات الحملة الانتخابية تدور في فلك هذا الصراع، رغم أن عدداً من المحلّلين الإسرائيليين والفلسطينيين يتجاهلون هذه الحقيقة بالقول المستنسخ إن قضية هذا الصراع، غابت عن الحملة الانتخابية الإسرائيلية، ونعتقد أن هذا الصراع سيستمر بشكل اكثر قوة وتأثيراً على المستويات السياسية في الدولة العبرية إلى ما بعد الانتخابات، وسيكون محوراً أساسياً في تشكيل الحكومة المقبلة، وفي الغالب برئاسة نتنياهو مجدداً!
أكثر من ذلك، نعتقد أنه ليس من المعقول، لدى قراءة طبيعة العلاقات بين الدولة العبرية والولايات المتحدة، وخاصة بين نتنياهو وترامب، أن تظل تفاصيل "صفقة القرن" سرية بالنسبة للأول. من البديهي في ظل قراءة هذه العلاقات أن يكون نتنياهو على بينة تفصيلية، ويتم التشاور معه والأخذ برأيه في سياق تفاصيل هذه الصفقة، التي يرى من خلالها نتنياهو تحقيقاً لسياسة وفرصة لا بدّ من اقتناصها خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وقبل أن تظهر احتمالات خروج هذا الأخير من البيت الأبيض دون تحقق استمرار ولايته الثانية، وهنا يقترب نتنياهو من بيني غانتس في سياق الخطة الأميركية المسماة "صفقة القرن"، حتى لو كانت هناك خلافات في بعض تفاصيلها.
فيما تم نشره وتسريبه من الخطة الأميركية، فإنها تلتقي في معظم زواياها وتفاصيلها مع السياسة التي اعتمدها نتنياهو خلال رئاساته المتكررة للحكومة الإسرائيلية، فهناك نهاية لما يسمى "حل الدولتين"، وفي نفس الوقت، ورغم كل التصريحات وتوصيات بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وضغوط أطراف عديدة في الائتلاف الحكومي، لم يندفع نتنياهو لضم الضفة الغربية رسمياً إلى الدولة العبرية، وفي نفس الوقت، تم اعتماد "الحلول الاقتصادية" كبديل عن الحل السياسي، وكذلك التوجه نحو التركيز على الخطر الإيراني والمضي قدماً في عملية التطبيع مع بعض الدول العربية، مع التمسك المطلق بيهودية الدولة العبرية؟
وحتى في حال أن تضمنت "صفقة القرن"، "تنازلات مؤلمة" من قبل إسرائيل، فإن تسويق هذا المصطلح، لا يزيد على كونه شكلاً متطوراً من أشكال الخداع، فهذه التنازلات ستظل شكلية والتعويض عنها، من خلال قبولها اكثر على المستوى الإقليمي والدولي، مع احتفاظ الدولة العبرية بما يمكنها من "الدفاع عن نفسها ضد كل من يهدد أمنها، لذلك فإن "صفقة القرن" تكاد توحد بين سياسة نتنياهو المتبعة فعلاً مع رؤية "غانتس" في اطار تبنّيه لخطة مركز أبحاث الأمن القومي التي سبق وعرضت أهم تفاصيلها في مقال سابق في هذا المكان من صحيفة "الأيام".
واقع الأمر، أن السيناريوهات التي خلصت إلى أن هناك تغيرات في توجهات الرأي العام الإسرائيلي في سياق الانتخابات ستتغير ضد نتنياهو، لم تكن أكثر من ترجيحات وتوقعات أثبتت نتائج عدة استطلاعات للرأي قبل وبعد توجيه لائحة اتهام ضده، عدم صحتها وقراءة خاطئة للتوجهات الانتخابية لدى الرأي العام الإسرائيلي، بل ان بعض استطلاعات الرأي منحت الليكود مقاعد إضافية بعد توجيه لائحة الاتهام، ومن بينها الاستطلاع الذي أجرته القناة "13" الإسرائيلية مساء الجمعة الماضي، واثر الإعلان عن لائحة الاتهام، وتبين من هذا الاستطلاع أن "أزرق ـ أبيض" سيفوز بـ 36 مقعداً، بينما سيحظى الليكود بـ 30 مقعداً، بزيادة أربعة مقاعد عن استطلاع قامت به نفس القناة قبل توجيه لائحة الاتهام. وبمقارنة سريعة لكن بسيطة، بين عدة استطلاعات مختلفة قبل وبعد توجيه لائحة الاتهام، نصل إلى نفس النتائج تقريباً، مع ضرورة الإشارة إلى أن تراجع الليكود، في ظل هذه الاستطلاعات كان على خلفية المسألة الفلسطينية والعملية التفاوضية وما تمت إثارته حول هذا الملف، وليس بسبب توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو.
في استطلاع مثير جداً، أجراه الباحث السياسي في جامعة حيفا، الدكتور دورون نيفوت، نشرته صحيفة "هآرتس"، يتبين أن الجمهور يعتبر نتنياهو فاسداً، لكن، ولكن مرة أخرى، هذا الجمهور المستطلع لا يثق بالمستشار القضائي مندلبليت، بينما 75 بالمئة من مصوتي اليمين يعتبرون أن أجهزة تطبيق القانون مشاركة في محاولة الإطاحة بنتنياهو، وهناك 80% بالمئة لا يثقون بالشرطة، و90 بالمئة لا يثقون بوسائل الإعلام.. النتيجة المستخلصة من هذا الاستطلاع تقول: نعم، نتنياهو فاسد، لكن هناك عدم ثقة بالقضاء والشرطة والإعلام، لذلك، فإن هذا الجمهور متمسك بنتنياهو!